للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهكذا يبدو التاريخ في ربع قرن وكأنه يعيد نفسه، دالاً بذلك على أن شيئاً لم يتغير في الواقع في نفسية الحضارة الغربية.

ولكن على الرغم من المظاهر فإن التاريخ لا ينضغط ولا يعود إلى الوراء، وليست هناك قوة في الأرض تستطيع أن تحد مجراه، أو أن تعيده اطّراده. الواقع أن الذي تكرر في سنة ١٩١٩م و١٩٤٥م لم يكن التاريخ، وإنما هو محاولة العالم الغربي أن يعيد صنعه لتحقيق مصالحه.

ولكن هناك كسباً خلقياً وفنياً له وزنه الثقيل في توجيه العالم، فإن تاريخه لا يمكن أن يعود إلى الوراء، ولا أن يستمر على حال، ولكنه مطرد دائماً إلى الأمام، لا تستطيع أي مقاومة إنسانية أن تحمله على أن يخطو خطوة إلى الخلف، ولا أن تعيده إلى الماضي.

ونحن نفهم الآن الصراع المحزن الذي يمكن أن ينشأ عن مقاومة كهذه، عندما تصادم قوى التأخر القوى الواقعية في التاريخ، هذه التي تدفع العالم حتماً ودائماً إلى الأمام، فإن الاتجاهات الرجعية يمكنها أن تأخذ صورة الإيحاء السلبي لتضليل الضمائر، أو النشاط العنيف لتحطيم الطاقات العذراء، أو أن تقترح حلولاً خاطئة لتمويه المشكلات الحقيقية، فتحافظ بذلك على وضع بال لا يتفق مع اعتبارات الحياة القومية والدولية.

ومع ذلك فإنهم لا يستطيعون أن يحتفظوا بقوى انفجارية هائلة، خلف السد الوهمي الذي يريدون إقامته في وجه التاريخ، وخاصة إذا كان في مقدور هذه القوة أن تحطم كل شيء يقف أمامها، وأن تبدده.

فهذه المحاولة المجنونة التي شرعوا فيها عام ١٩٤٥م لم يكن لها إلا أن تخفق في النطاق العالمي عامة، وفي النطاف الاستعماري خاصة.

لقد أرادوا أن يبقوا على حالة (شعوب المستعمرات) أي على شعوب لا تبلغ رشدها، فتظل تحت وصاية الكبار في إدارة شؤونها ومصالحها الخاصة.

<<  <   >  >>