ونحن مضطرون إلى أن نلاحظ- في ضوء عشر سنوات من النقاش داخل أروقة هيئة الأمم المتحدة- أن التقدم الأخلاقي الذي يحقق صلاحية هذه المنظمة ليس في رصيد الكبار، فإن الدرجة الكلية للحضارة الإنسانية لا يدل عليها رصيد القنابل الذرية المختزنة في قلاع الدول الكبرى، وإنما يكون هذا التقدم في نمو (ضمير دولي) في العالم، والقوى التي تزيد في هذه الدرجة ليست هي التي ثوفر القوة والرفاهية للكبار، والتي تحاول أن تكون من وسائل القهر والاضطهاد ضد الشعوب (المتأخرة) كما يقولون، وإنما هي القوة التي تقر توازناً اجتماعياً وسياسياً ينسجم مع نمو عالم يجب ألا تعالج فيه المشكلات الإنسانية بمنطق القوة (١)، وإنما بمنطق البقاء، حذراً من وقوع كارثة.
ولقد سيطرت على الحياة الدولية- بكل أسف- (إرادة القوة) التي لا تفارق حضارة القرن العشرين، فهي قانون للنفسية الغربية، قانون يسجل التأخر الخلقي لإنسان الغرب، حتى كأنه يعيش في القرن التاسع عشر.
وأحياناً يبدو وكأنه يجر الخطى في القرون الوسطى عندما يستمد غذاءه الروحي من تاريخ محاكم التفتيش، ومن سيرة فرسان الاستعمار، بينما أصبحت عبقريته الصناعية نفسها ترفض أطماعه وادعاءاته عن غزو العالم، كأنما خلقه الله ليغذي به ترفه فحسب.
وفضلاً، عن ذلك فإن (إرادة القوة) هذه جبن تُجاوز أهدافَها تُحطم حقيقة الوضع المزدوج الجغرافي السياسي الذي ذكرناه، فإذا بها تعمل على إظهار لفظ جديد، في ثالوث مكون من (كتلتين) و (مجموعة مستعمرة)، فيجد العالم (المتحضر) نفسه منشقاً طبقاً لـ (ميكانيكا) خاضعة لأخلاق جذبية ولصناعة
(١) في إحدى المؤلفات الهامة عن (الماركسية في الاتحاد السوفييتي) لاحظ الأُستاذ هنري شامبر وجود هذه البلبلة المشتركة في المحتمع الرأسمالي الحر، كما أنها في المجتمع الماركسي، قال: ((إن العالم الحر والماركسي السوفييتي حين فضلا القوة على الفرد الإنساني قد أنكرا وينكران عملياً القيم الإنسانية الحقة التي تدعو إليها المسيحية)).