للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أن ننسى أن هذه الخصوبة قد امتدت جذورها في الآلام الإنسانية، متغذية بالنهب والسلب واللصوصية وقتل الجماعات من أبناء المستعمرات، الذين سلبوهم حريتهم، وسعادتهم وشرفهم الإنساني.

ولن نستطيع أن ننكر حين ننظر إلى الأشياء في هذا الضوء، أن زمن الاستعمار قد مضى.

إن الاستعمار مرحلة من مراحل التطور الإنساني، وقد فات أوانها، فكل محاولة لإطالتها أو تكرارها تأخر وعودة إلى الماضي، ومصير الاستعمار يقاسم مصير اختراع استنفد أغراضه، وتخلف بفعل التقدم الإنساني المستمر، فإذا وجدنا أن بعض الأوساط تحاول تبريره بشتى الاعتبارات الإنسانية أو الاقتصادية، فإن هذه الاعتبارات لا تعكس هم التقدم، وإنما تحمل طابع العرف والعادة، وبعض ما يشبه الخمول الذي يسمى تقاليد. وهو فضلاً عن ذلك يذكرنا بنكتة أطلقها اقتصادي فرنسي مشهور، حين وجه اللوم إلى أولئك الرجال الذين يعطلون الاقتصاد الفرنسي داخل الروتين، مصرين بذلك على إبقائه في عهد عربة اليد دون أن يفكروا في مساعدة سائقها حتى يستخدم المحرك.

فالاستعمار هو (عربة اليد) التي كانت نافعة في أوروبا في القرن التاسع عشر، ولكن يبدو أنهم في أوروبا لا يمكنهم الاستغناء عن هذه العربة، وخاصة في الميدان الاقتصادي؛ كما لاحظنا ذلك في مؤتمر الغرف التجارية المنعقد في مرسيليا فى أكتوبر ١٩٥٥م.

وربما استطاعت هيئة الأمم المتحدة أن تلغي هذا الجهاز القديم، وأن تقنع هؤلاء وهؤلاء بأنهم يستطيعون أن يستغنوا عنه دون تحمل أي خسارة اقتصادية أو أخلاقية، وهي تستطيع أن تفعل هذا حين تقر بين المستعمِر والمستعمَر روابط جديدة، ونظاماً للعلاقات قائماً على أساس خطة للانفصال والاتصال الضروري، تتفق مع مطامح البعض ومع المصالح الاقتصادية والثقافية للجميع.

<<  <   >  >>