ولا شك في أنها بهذا توفر على العالم ما سيطرأ من أحداث دامية ذاق ويلاتها منذ عشر سنوات.
هذه الأحداث الحزينة تزيد بكل أسف، ومن يوم إلى يوم، التوتر الذي يهدد بتمزيق الوحدة الإنسانية تمزيقاً محزناً لا علاج له.
إن الأزمة تتعاظم كل يوم، موحية إلى الزعيم العمالي- كليمنت إتلي- بقلق بالغ عبر عنه في قوله:((في السنوات القادمة ستكون مشكلة العلاقات بين البيض والشعوب الملونة إحدى المشكلات المستعصية على الحل)).
فلو كان لنا أن نصف دواء للمرض، فإن الطريقة العلاجية المناسبة ستكون هي التي تعالجه في عناصره النفسية، قبل أي اعتبار اقتصادي أو سياسي، ونحن نريد أن نقول: إن بناء عقلية عالمية جديدة لا يصح أن يُتصور من الزاويتين: الاقتصادية والسياسية، بل من سائر الزوايا مقدمين في علاجنا العنصر النفسي، الذي يخلق نوعاً من القاسم المشترك في جميع المشكلات المتائرة حالياً بين الشعوب. ونحن نلاحظ ذلك في كل يوم.
وحتى في الكتابات العلمية الخالصة نلاحظ وجود هذا العنصر الانحرافي، الذي يقحم دخائل النفس الإنسانية في المشكلات الاقتصادية. ومن الأمثلة على ذلك ما نلاحظه في كتابات بعض الاقتصاديين الغربيين، تلك التي لا نستطيع أن ننازع في نزاهتها الخالصة، أو في جدارتها، فإن عنصر الانحراف يتدخل كلما اتصل الحديث بالمشكلة الاستعمارية. وإنه ليتحدث عنها بمنطق الفني الكامل الذي لا يغض النظر في أي لحظة عن قيمة الأرقام، ودلالة الأحداث والوقائع، غير أنه بعد أن يبرهن على الخسارة الهائلة التي جشمتها مستعمرة معينة لمستعمريها، يستخلص نتيجة غير منتظرة، هي أن وجود بلاده ضروري في المستعمرات على الرغم من خسارة الميزانية.
هذه بلا جدال نقطة تتشابك فيها حقيقة الضمير مع حقائق العلم، وينتج عن هذا انحراف يحدث بصورة مغرضة في جميع التصريحات والبيانات السياسية الرسمية التي تنشر عن ((كرم البعثة الاستعمارية)).