إن الإصلاحات السياسية والاقتصادية ذات أهمية قصوى لحل المشكلة الاستعمارية، ولكنها تحلها مخلفة وراءها في العالم بقايا في صورة عنصر نفسي. ولا شك أن الحلول التشريعية التي حدثت في الهند، أو في بورما أو في أندونيسيا كانت ضرورية، ولكنها تظل غير كافية طالما لم يتبع الفصل الضروري بين المستعمِر والمستعمَر، بالاتصال الضروري للرجلين اللذين فرقت بينهما ظروف الاستعمار والقابلية للاستعمار. فجميع الإمكانيات التي تسيطر على مستقبل العالم إنما تصدر أساساً عن طبيعة الاتصال الإنساني. والواقع أن المشكلة تقتضي حلاً مزدوجاً أي انفصالاً واتصالاً (١)، حتى إننا لو تصورناه من الزاوية التشريعية فحسب، فمعنى ذلك أننا نخدع أنفسنا بنصف حل. ولقد كان غاندي يقدر عجز حل كهذا بالنسبة إلى الهدف الإنساني، عندما كان يخاطب في كفاحه السلمي ضمير مواطنيه والضمير الإنجليزي، كيما يحرر كلا الخصمين من المرض الاستعماري نفسه.
لكن لكي يكون المشروع مؤثراً، ولكي يصفّي تماماً بقايا الاستعمار، فإن الأمر يقتضي ألا يكون في نطاق بلد، بل في نطاق العالم، حيث يجب أن يطهر ضمير جزء من الإنسانية سممته (ثقافة الإمبراطورية).
وعليه، فإذا كان دور الأمم المتحدة لا يمكن نكرانه في هذا الميدان، فإن نصيب هيئة اليونسكو في حل المأساة العالمية جوهري أيضاً.
إن قاتلي الشاب الأسود إيميت تل ( Emmet Till) ، وجمهور البيض الذين طردوا الفتاة أنتورين لوسى ( Miss Anthourin Lucy) من جامعة ألباما ( Albama) وهي الطالبة الأولى الزنجية التي سمح لها بالالتحاق بهذه الجامعة، قد أظهر هؤلاء
(١) يبدو أن هذه الفكرة قد بدأت تأخذ طريقها ولا سيما في خطب سيدي محمد بن يوسف سلطان مراكش، حيث عبر جلالته عن فكرته في إنشاء علاقات جديدة لبلاده مع فرنسا في حدود الاستقلال والتضامن.