للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

اشتراك فرنسا في صياغة بيانهما النهائي عن المؤتمر الأخير الذي انعقد في واشنطن، فذلك لأنهما لم ترغبا على وجه التحديد في وضع ثقل قضية الاستعمار في إفريقية الشمالية على كاهل هذا البيان. وهذه الحيلة الدبلوماسية ترينا كم يحتاج العالم إلى كثير من الوضوح في موقف طال أمده، فإذا اعتقدنا أن هذا الوضوح ضروري في الكلمات والبيانات، فإنه بالتأكيد أكثر ضرورة في النوايا والأعمال.

ولكن نوايا الكبار وأعمالهم هي التي تنشئ منذ عشر سنوات سدى القضاء الذي حل بالمصير الإنساني، وإن قلة صراحتهم بالنسبة إلى مصر الملايين من البشر المستعمرين لهي التي تعطي للمؤتمر الأفرسيوي ما يستحق من اهتمام.

فالأفرسيوية التي تقرر مصير الكتل البشرية في آسيا وإفريقية على خط نشاط يمتد بدقة من طنجة إلى جاكرتا، ولدت هذه الأفرسيوية كإرادة لهذه الملايين في أن تتضامن ضد الاستعمار الجديد الذي يحاول أن يجرها إلى حرب عالمية ثالثة، وهذا هو رد فعل المشروع الاستعماري الجديد، الذي ينشئ من أجل استراتيجية التطويق نوعاً من تدويل الاستعمار المألوف في شكل استعماري مشترك. وفضلاً عن ذلك فإن هذا الشكل لا تعوزه سوابق، فالواقع أن تاريخه يتصل بما قبل الحرب العالمية الأولى فإن حرب البوكسر ( Boxers) في الصين الإمبراطورية عام (١٩٠٠م) كانت مشروعاً للاستعمار المشترك. فقد كان الجنرال الألماني الذي احتل (بكين) يقود كتيبة أوروبية، ولكن المشروع أصبح اليوم أكثر تستراً، لأنه يجب عليه أن يحسب حساباً لتطور العالم، حيث أصبحت بعض الشكليات ضرورية منذ ذلك الحين. فهو يريد أن يستثمر مصالح الاستعمار بطرقه الخاصة. دون أن يرث منه اسمه، إلا إذا أجبرته الظروف على الإعتراف به. ولم تعدم هذه الظروف أن تحلي جيد التاريخ خلال العشر سنوات الأخيرة بعدد من الاعترافات، وخاصة في اللحظة التي تصل فيها مأساة شمالي إفريقية إلى ذروتها، حيث تحطم قوى الاستعمار الغاشمة وجود الشعب الأعزل، وحيث يتمرن (رجال النظام) على إصابة الهدف في أناس من البشر، كذلك الطبيب الجزائري

<<  <   >  >>