للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولقد أثار غاندي حين عودته من مؤتمر المائدة المستديرة المنعقد في عام (١٩٣١م)، حين توقف في باريس ليلقي محاضرة بناء على طلب بعض أصدقائه، أثار تعليقات صادرة عن بعض الأوساط الأدبية، مطبوعة بالمرض النفسي نفسه. فعلى أثر مناقشات جرت بين المهاتما وبعض المتحدثين البيض تحدث بعضهم في الصحف عن (احتشام العقل الغربي) و (قلة حياء العقل الشرقي) .. ولقد كان هذا قدراً محتوماً على العموم.

فإذا اتهموا اليوم باندونج بأنه نوع من التآمر ضد (الحضارة البيضاء) فإنهم لم يتعدوا حدود تقاليدهم الثابتة. وإنها لفكرة مرضية مسيطرة تلك التي تعدل دائماً كلمات الحوار- قوة وعدم عنف- مقدمة كلمة (جنس)، كلما قصد مفهوم (إنسانية)، ولكن الكلمة الأخيرة في هذا الحوار ستقرر مصير العالم، ومن الممكن أن تقرر في نطاق توقعات عدم العنف تبعاً لكل احتمال، لأنه إذا كانت (إرادة القوة) تعمل من أجل الحرب فإن وسائل القوة نفسها تعمل من أجل السلام، حين تخلق كصدى للحالة النفسية التي تهدف إلى السيطرة، حالة نفسية قوامها الخوف، فإذا بطل تأثير القوة بفعل التأثير المضاد، فيجب أن تبقى الكلمة الأخيرة في الحوار لعدم العنف. وأياً ما كان الطريق الذي نسلكه لكي نصل لحل أزمة العالم الذي تعد الحرب الباردة أحد أعراضها المميزة، فإن هذا الطريق سيمر حتماً بباندونج. فقد خلق المؤتمر الأفرسيوي في الواقع مركزاً جديداً لجاذبية التاريخ، وإن مبادئه المستوحاة من الـ ( Panch Shila) أو المبادئ (الخمسة) لتخط الطريق الوحيد للوصول إلى حلف إنساني يعد الطريقة الواقعية لحل الأزمة، في مقابل الميثاق الاستعماري الذي خلقها. إذ من الناحية العملية نجد أن المشكلة الاستعمارية هي التي سيطرت على الوضع الدولي منذ عشر سنوات، بل إن العلاقات بين الكبار أنفسهم لتقع تحت سيطرتها، كما رأينا ذلك في كوريا، وفي الهند الصينية (١)، وإذا كانت الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى قد رفضتا


(١) كما نرى ذلك في الوقت الذي يوضع فيه الكتاب تحت الطبع. بينما تخلق القوات الانجليزية الفرنسية بمهاجمتها لمصر توتراً خطيراً بين الغرب وروسيا.

<<  <   >  >>