كان الصراع قائماً بين الكبار من الناحية السياسية، أعني بين قوى من النوع نفسه، فإنه ينحصر أخلاقياً بين شقي الضمير الإنساني.
ومن الوهم البالغ ألا نرى فيه سوى شكل جديد لصراع الأجناس. كما يريد هؤلاء الذين لم يروا في مؤتمر باندونج إلا شكلاً سلبياً للوحدة الآسيوية موجهاً ضد .. البيض.
هذه الأحكام السطحية ليست سوى فيض من اللاشعور مشحون بالعنصرية الطاغية، ولدينا بعض الكتابات الحديثة عن الصين الجديدة، والتي كان لها وقع في الأوساط الأدبية الباريسية، وهي تقدم لنا مثلاً على ذلك. فهي قصة لا شعورية أكثر منها عرضاً للحالة الراهنة في هذا البلد، قصة لاشعورية تظهر بين سطورها انفعالات باطنة تثيرها تلك الحالة عند الكاتب، فإذا به يعطينا في الواقع وصفاً للاشعوره في الوقت الذي يزعم فيه أن يصفها لنا. ومن المؤكد أن كتابات من هذا النوع تدخل في نطاق التحليل النفسي بقدر ما تخضع للنقد الأدبي على الأقل.
فبسبب أتوماتيكية داخلية، وبسبب فكرة مسيطرة آلياً، ما زالت المشكلات الإنسانية في الغرب ترد دائماً ولا شعورياً إلى خصومة عنيدة بين الأجناس، وهذه الفكرة المصيطرة المستبدة تتحدى أحياناً أبسط المقاييس، ففي خلال مناقشة حديثة عن المشكلة الجزائرية في البرلمان الفرنسي، حاول أحد النواب المسلمين بشتى الطرق أن يرد أحد زملائه الأوروبيين إلى موضوع المناقشة، بينما لا يريد هذا أن يرى فيها شيئاً سوى الخصومة بين البيض والمستعمَرين. ومع ذلك فبدهي أن مشكلة الجزائر لا يمكن أن تكون مشكلة بيض بالمعنى الذي يقصد إليه تاريخ الإنسان الطبيعي، وهو ما أراد النائب المسلم أن يثير ملاحظته في المناقشة، ولكن دون جدوى لأن البداهة لم تكن لتبرئ الإنسان من فكرة مسيطرة عليه.