للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فنحن نرى أولاً أن هناك مشكلة للرجل الأفرسيوي، وهي متمثلة في المصير المشترك الذي يخيم من طنجة إلى جاكرتا، وفي الوضع العام نفسه، وهو وضع الفرد على هذا المحور، وفي الوحدة الخاصة التي أنشأها النظر الإنساني، والنموذج الاجتماعي في تلك البقاع.

ثم إنا نلاحظ أن هذا الوضع العام وهذه الوحدة مستقلان عن الظروف السياسية، والحدود القومية والإطارات العنصرية والجغرافية، بما أنها في نقطة معينة تتغير مع الزمن، وفي لحظة معينة تتغير من محور لآخر. فلو أننا- علاوة على الظروف التي تحدد مكانها بالنسبة لمحور أو لآخر- نأخذ في أعتبارنا طبيعة علاقة هذه الوحدة بحياة الإنسان، فنحن مضطرون بسبب خاصتها الجغرافية والتاريخية والاجتماعية إلى أن نلاحظ أن هذه (الوحدة) تتفق في الزمان وفي الكان مع الرقعة التي تنشأ فيها حضارة ما، أي الحضارة التي تطبع جميع حقائقها الثقافية، وخصائصها الأخلاقية والجمالية والصناعية في النظر الإنساني، وفي النموذج الاجتماعي الذي يتحرك فيه.

وعليه، فكل تفكير في مشكلة الإنسان هو في النهاية تفكير في مشكلة الحضارة، ومشكلة الإنسان الأفرسيوي، هي في جوهرها مشكلة حضارة، يعني أن يحقق هذا الأفرسيوي من طنجة إلى جاكرتا وضعاً عاماً متحرراً من العوامل السلبية التي فرضها الاستعمار والقابلية للاستعمار على حياته في هذه المنطقة ..

والحق أن الحركات المختلفة للنهضة التي ظهرت منذ خمسين عاماً في العالم الأفرسيوي عامة. وفي العالم الإسلامي خاصة، ليست إلا محاولات لوضع المشكلة ضمناً، وحلها في هذه الصورة.

وإحدى هذه المحاولات تستحق الذكر لما كان لها من تأثير فعَّال، وهي تلك المحاولة التي أتاحت لليابان خلال حقبة فذة من العصر الميجي ( L'ère Meiji) أن تجتاز مرحلة دولة من دول القرون الوسطى إلى صف الدول الكبار. ولكن

<<  <   >  >>