للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حركات النهضة لم يتح لها جميعاً التأثير الفعال نفسه، إذ لا يصدر الإنسان فيها عن الفكر المنهجي نفسه.

ولقد كانت المحاولات في العالم الإسلامي خاصة متفاوتة في عمقها، لأنها لا تستند على نظرية محددة للأهداف والوسائل، وعلى تخطيط للمراحل. فالواقع أن (المصلح) الإسلامي لم يهتم بأن يرسم برنامجاً لإصلاحه مقدراً أن ((الزمن سيوفق في حل المشكلات)) (١) ولم يكن طموحه متوجهاً إلى الخلق والإبداع أكثر مما هو متوجه حتى الآن إلى التقليد.

فإذا حللنا جهوده وجدنا فيها حسن النية، ولكننا لا نجد فيها رائحة منهج.

بل إن حسن النية هذا قد تنحط قيمته الاجتماعية أثناء التطبيق، سواء بدعوى أولئك الذين يرون أن مستقبل العالم الإسلامي إنما يكمن في إعادة الماضي برمته أم بالتباهي التقدمي الذي يرى- كما يذهب إلى ذلك بعض الكماليين- أن الإصلاح رهن بقطع جميع صلاتنا بالماضي، وأن نؤمن بأننا ننشئ حضارة، أي وضعاً عاماً للحياة، وذلك بمجرد تظاهرهم بأزياء مستعارة- دون توفيق- من حضارة نضجت فعلاً، ومضى طور تكوينها.

ولقد كان عهد فاروق العهد الذي يمثل تماماً هذا التظاهر الصبياني وهذا التعلق (بالشيء) الحديث المعرّى عن ((فكرته))، والذي يمكننا- فضلاً عن ذلك - أن نرى مثله الكامل في تلك البضاعة التافهة الترفية التي كانت تكوِّن مجموعة تحفه المشهورة.

ويمكننا أن نلاحظ التظاهر الصبياني نفسه حتى في الذوق النسائي في بعض العواصم العربية، حيث تشتري السيدات معاطف الفراء الثمين ليتشبهن بسيدات


(١) في أحد التحقيقات الحديثة عن تطور المرأة في إفريقية الشمالية قرر كاتب هذا التحقيق في استنتاج أن ((الزمن سيوفق في حل المشكلة الحساسة للمرأة)) وربما لا يمكننا أن نتصور استسلاماً للواقع أكثر من هذا الموقف المتشبع بالقدرية أو الجبرية في التفكير وهو موقف يتخذه مسلم (عصري) أمام مشكلة اجتماعية.

<<  <   >  >>