للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ونحن نرى أن هذا النقد قد تجاوز حده حين أرجع سبب وجود هذه (الذرية) إلى طبيعة الفكر الإسلامي نفسها، أي إلى تكوينات بيولوجية، ولكن هذا النقد يكون مصيباً لو أننا أرجعناه إلى تكوينات اجتماعية، وتطور تاريحي، بحيث نرى أن الفكر الإسلامي قد أصبح لا يؤدي في المجتمع الإسلامي وظيفته كما ينبغي، وخاصة في حركة النهضة الإسلامية وموقفها أمام مشكلة الحضارة التي تواجهها صراحة أو ضمناً.

ويوشك أن تقوم (الذرية) فعلاً في هذا النطاق بتجزئة حل المشكلة إلى ألف جزء وجزء مبعثر، حين يشارفونها في حدود كل يوم تبعاً لطوارئها العاجلة على الحياة اليومية، دون نظر شامل يحدد منذ البداية الهدف، والمرحلة والتوقيت والوسائل.

إن من الممكن أن تؤدي الحلول الجزئية إلى حد شامل للمشكلة، ((فكل الطرق تؤدي إلى روما)). ولكن الطريق غير المنهجي هو أطول الطرق بلا شك، طريق المفاجآت التي تفجأ العقل التائه، طريق السائح غير المتحقق من وجهته أو هدفه.

إن طريق الحضارة لا يمكن خطه تبعاً للصدفة، بإقامة مدرسة هنا، ومصنع هناك، وسد هنالك، أو بوضع سلة معدنية في جانب هذا الشارع حيث لا أحد يفكر في إلقاء المهملات التي تريد أن يتخلص منها، وعموماً حين نريد أن نضع شيئاً زائداً في النظر الإنساني.

نعم إن سيرنا كيفما اتفق قد يوصلنا إلى حل ... يوماً ... ولكن متى يوافي ذلك اليوم؛. إن الإجابة تستتبع نظرية وخطة وتوقيتاً. ولكن يبدو أن الأمر لا يعلق هكذا بذهن رجال الإصلاح المسلمين، كما أمكننا أن نلاحظه في المؤتمرات الإسلامية الأخيرة، وسنحاول أن نكشف فيما بعد (١) عن الأسباب النفسية والاجتماعية لهذا الافتقار في المجتمع الإسلامي الراهن، وسنزيد اهتمامنا


(١) راجع الفصل الثالث من الباب الثالث من هذا الكتاب.

<<  <   >  >>