للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هنا بتحليل (ميكانيكية النهضة)، كيما نلاحظ نواحي ضعفها في الوقت الذي نلاحظ جهودها الرائعة والمؤثرة أحياناً.

فحين تحدثنا عن (الذرية) وعن (الشيء) أثرنا انتباه القارئ بصورة ما إلى هذا الشكل المرضي، ونحن نريد الآن أن نثير انتباهه إلى طبيعة هذا الضعف، ويظهر أنها ناتجة عن طريقين:

أ- فأما الأول فينتج عن التخطيط المنهجي الذي ينقلب فيه الوضع المنطقي ضمناً، بحيث يمكننا أن نعبر عنه بالاستعارة القوية في القول الفرنسي المشهور، حين يعبر عن هذا الانقلاب بأنه من قبيل ((وضع المحراث أمام الثور)).

ففي كل اطراد طبيعي يحدد السبب الأثر، فلو أننا في إحدى محاولاتنا حاولنا أن نقلب هذا الوضع، فإن التجربة ستنتهي حتماً إلى الفشل.

وفي أي اطراد اجتماعي تظل العلاقة بطبيعة الحال هكذا، ولكنها أقل حدة وصرامة، فإن التجربة الاجتماعية ليست تخطيطاً بسيطاً يترجم عن علاقة مباشرة لسبب يؤدي إلى نتيجة محتومة، لأن التجربة الاجتماعية ليست في وقت ما فريدة في نوعها، ولا تتم داخل إناء محكم، فالواقع أن هناك تشابكاً بين الأسباب والنتائج، في كيان معقد يظهر فيه أحياناً انقلاب في الوضع المنطقي، بحيث تسبق النتيجة السبب، ولكن هذا الانقلاب ليس إلا خداع نظر يعود في جوهره إلى تعقد التجربة الاجتماعية، ولا يعود مطلقاً إلى انقلاب في قانونها. ففي قانونها، أعني في نهاية التبسيط النظري الذي يتيح لنا رؤية التجربة الاجتماعية بوضوح في سياق اطرادها، لا تسمح هذه التجربة بوضع المحراث أمام الثور، كما لا يحدث ذلك في عمل الفلاح البسيط.

فلو أننا طبقنا هذا البرهان على عملية اطراد الحضارة، فيجب أن ندرك مبدأً صادقاً في كل حالة، ودقيقاً في نهاية الأمر، ذلك المبدأ هو: أن الحضارة هي تصنع منتجاتها، وعليه فلو أننا عكسنا القضية، بأن نحاول صنع حضارة من منتجاتها، فسيكون هذا بكل بساطة من قبيل ((وضع المحراث أمام الثور)).

<<  <   >  >>