للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هذا الانقلاب في الوضع هو الذي يتسم به التقدم الفوضوي البطيء للنهضة الإسلامية، ونحن ندين له بهذا التكديس والتكويم الذي يبدو أنه يقود تطور المجتمع الإسلامي نحو حضارة (شيئية) (١).

ب- وأما نواحي الضعف الأخرى في النهضة الإسلامية فهي من النوع التاريخي، وهي تتصل باختبار (النموذج)، فكل حضارة تتكون، لها نموذجها ومثلها الذي تجعله نصب عينيها، ويمكن أن يكون هذا مستمداً من الحاضر أو من الماضي أو من كليهما في وقت واحد. ولقد تقسمت النهضة الإسلامية بين جذب المحافظين على الماضي، ودفع التقدميين من أبناء العصر، فالنموذج موجود على أي حال، واختياره يمكن أن يتم بالخضوع للواقع ضمناً ولا شعورياً. ولكن اختيار النموذج يحدد المنهج إلى حد ما، كما نرى ذلك في الصين، ولذا يجب أن نحسب حساب ارتباط العنصرين: النموذج والمنهج، مهما كانت الظروف. فلاختيار النموذج لا بد من أن نجعل في حسابنا بطبيعة الحال كل الكسب التاريخي والاجتماعي في العالم. فلو راعينا هذا الكسب الذي حققه نصف القرن الماضي، لوجب أن نلاحظ أن المجتمعات المتحضرة الصالحة لأن تقدم إلينا نماذج للتطور في القرن العشرين، هي ثلاثة أنواع:

فهناك أولاً المجتمع الغربي الذي شيدت حضارته القرون، والذي يدين للزمن بلونه العتيق، لون الأشياء القديمة الجليلة، تلك التي تحمل شهادة وبرهاناً على تقاليدها القديمة الذائعة، ولا سيما في فرنسا وإنجلترا، ولنا في اليابان نموذج آخر من نماذج المجتمع، حيث كون الفكر المحافظ والعقل الصناعي تركيباً موفقاً كل التوفيق، فنتجت عن ذلك حضارة، يبدو أنها قد اتجهت نحو مشكلات الإمبراطورية أكثر مما اتجهت نحو مشكلات الإنسان، أي نحو مشكلات (القوة) أكثر من مشكلات (البقاء)، ولكن نجاح التجربة كان مذهلاً، إذ حين قادها


(١) راجع فصل ((من التكديس إلى البناء)) من كتاب ((شروط النهضة)) طبعة دار الفكر بدمشق ١٩٧٩م.

<<  <   >  >>