للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فعندما نرى مثلاً في إحدى المصالح العامة في بعض العواصم العربية فريقاً من الناس يلبس القبعة وفريقاً آخر ما زال يرتدي الطربوش، نفهم من هذا أننا في مجتمع لم يحدد بعد اختياره بوضوح، وفي مثل هذا الموقف ليس نوع غطاء الرأس هو الذي يهمنا، بل نوع الأزمة الصبيانية التي يعدّ غطاء الرأس عرضاً من أعراضها.

وعندما نلخص هذه الاعتبارات عن الحقبة الراهنة في العالم الإسلامي نلاحظ اعتراضه وعدم اكتراثه بكل جهد للتعميم، حتى كأنه لا يحب أن يخضع لمنطق القواعد، أي للمبدأ الجوهري في كل حضارة، بينما الحضارة في جوهرها نوع من القهر ينفي لدى الفرد والجماعة صفات البدائية المترحلة، وخاصة صورتها العقلية.

فالبدوي الراحل يضرب في الأرض على غير هدى من هدفه، لأن فكره لا يخضع لهدف الطريق الذي يفرضه منهج بحيث يمكننا أن نلخص القول بأن الاختيار الضمني للنموذج الغربي في العالم الإسلامي، قد تم عن تنكر كامل تقريباً للنموذج، ولفضائله الواقعية، ولقيمه العامة.

ويكفينا في إيضاح هذه النقطة أن نذكر أن الموسيقى العربية الحديثة لا تستمد وحيها من الأساتذة الكلاسيكيين في الغرب، بل إنها تبحث عنه في (أغانيه العاطفية) ولا حاجة بنا إلى تحليل برنامج إذاعي إذ يكفينا أن نصغي إلى بعض الإذاعات في بعض العواصم العربية لكي نقتنع بهذا الرأي.

ويجب أن نؤكد بطريق العكس أن الذوق الغربى كان يدرك تماماً (استشراقه) أعني معرفته بالشرق عندما يستوحيه، وهذا الجزء من البرنامج الموسيقي الغربى يحتوي على مقطوعات من أمثال: (في سوق فارس) تترجم تماماً عن الجو الخاص، وعن الوفاء لمصدر الإلهام. وعلى العكس من ذلك نجد (اللون المحلي) للحياة الغربية ينعدم في الموسيقى العربية الحديثة فيما خلا بعض الألحان المتطرفة، وأحياناً بعض المقطوعات التي استوردها الغرب نفسه من خارج إطاره.

<<  <   >  >>