فالذوق العربي لا يدرك تماماً (استغرابه)؛ لأنه لم يفكر في مشكلة النموذج، ولم يضع هذه المشكلة، وقد نتج عن هذا في مجموعة سلبية في التأثير يمكن أن نتصورها بالمقارنة بين حدثين متعاصرين، فالنهضة الإسلامية هي في الواقع معاصرة للعصر الميجي، توأمها في اليابان، وشهادة ميلاد الحركتين يمكن أن تحمل التاريخ نفسه، أي عام (١٨٦٨م)، ومع ذلك فإن نتائجها الخاصة تنطبع في منظرين إنسانيين جد مختلفين، حتى إن الزائر السماوي لا يمكنه أن يخلط بينهما. كما تبين ذلك في هذا الفصل.
فقد اجتازت اليابان في نصف قرن المرحلة التي تفصل محور طنجة - جاكرتا عن محور واشنطن - موسكو.
إن مشكلة الحضارة تتجسم دائماً في الشروط نفسها التي تملي علينا أنه يجب إحداث التركيب التاريخي التكويني للإنسان والتراب والوقت، فإذا واجهت اليابان هذه المشكلة بطريقة منهجية عن قصد، بحيث اختارت النموذج الغربي وهي تعلم ما هو جوهري رئيسي في اختيارها. فإن المشكلة قد واجهت العالم الإسلامي، وهي في طريقها إلى أن تنحل من تلقاء نفسها، بقوة الأشياء لا بحكم الفكر.
وعليه، فالعالم الأفرسيوي وهو اليوم في ساعة الاختيار، يجب أن يأخذ في اعتباره هذه التجارب ونتائجها المختلفة.
فهناك كسب تاريخي واجتماعي في العالم المعاصر، يمكن أن يستغله الرجل الأفرسيوي ليرقي تجربته الخاصة، ولقد رأينا فعلاً هذه التجربة تتكون وتنمو، وقدم لنا الاتحاد الهندي مثالاً عليها في محاولة أصيلة تتركب خلالها (الفنية) الديكارتية مع (الروحية) الغاندية، وهو مثال قائم على مواجهة مشكلة الاختيار والمنهج، ففي مناقشة مشروع التصنيع في الهند وتحويل اقتصادها إلى اقتصاد اشتراكي (فبراير ١٩٥٦م) غربلت الحلول المعروضة، وكانت هنالك مقابلة بين الحلول، لا طبقاً للحقائق الاقتصادية فحسب، بل مع اعتبار العوامل الإنسانية