للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المقدمة النظرية لمؤتمر باندونج حيث قد تكررت في مداولاته بصور مختلفة بالاهتمام نفسه الذي لا يخص هذه المرة بلداً بعينه، وإنما يخص نصف الإنسانية، وحيث ترجمت هذه المرة عن الرغبة في أن تترابط هذه الشعوب، بأسرع ما يمكن، في مرحلة للبناء ذات تأثير فعَّال إلى أقصى حد.

إن المرحلة الثورية التي بدأت مع الحركة التحريرية في هذه البلاد يجب أن تنتهي. وأعظم خطر يواجهه بلد مكافح ضد استبداد معين هو أن تطول ثورته، ويستقر على القلق والفوضى، وحكم الغوغاء الذي ينتج عن هذه الثورة. ولقد تعرضت بعض بلاد أمريكا الجنوبية لمثل هذا الوضع، فشلَّ تطورها، بقدر ما شله النظام الاستعماري نفسه، قبل تحررها.

فمن المهمات الأولية الأساسية بالنسبة إلى بلد حقق ثورته أن ينظم قواه الثورية التي حررته، كيما يشرع في مهمته الرئيسية، مهمة بناء نظامه الاجتماعي. ولا شك في أن هذا هو المغزى الذي كان يتضح صراحة في مؤتمر باندونج، الذي سجل ميلاد الفكرة الأفرسيوية. إن الأحداث التاريخية لا تحمل الشحنة نفسها من التاريخ، وقليل جداً منها الذي يحمل شحنة الفكرة الأفرسيوية لأنها ذات وزن كبير في التطورات المستقبلة في العالم، فإن لها نتائجها على كلا المحورين في وقت واحد، وبعض هذه النتائج يتصل بالمشكلات الخاصة بالعالم الأفرسيوي، وبعضها الآخر يتصل بالحالة العالمية العامة. وحين تحدث هذه الشحنة تأثيرها الأخلاقي والسياسي على محور واشنطن - موسكو، فإن إحدى نتائجها الهامة جداً ستكون تغيير العلاقات الفاسدة التي تقررت بين شقي الإنسانية خلال القرن التاسع عشر.

فأي محاولة نقوم بها لتخطيط هذه العلاقات قبل عشر سنوات أو عشرين سنة، أي إبان العصر الاستعماري، تضطرنا إلى أن نرمز إليها ببعض السهام المتعارضة كيما نشير إلى قوى متنافرة تدل خطوطها على ذلك التنافر المتبادل بين الاستعمار العنصري وقوميات الشعوب المستعمرة المطالبة بحقوقها.

<<  <   >  >>