ولقد بدا لمؤرخي المستقبل أن جوهر الموضوع يتمثل في هذا الهدف وفي تلك الفكرة بصورة أقل مما يتمثل في النمو الاجتماعي؛ الذي حدث بعد ذلك إثر المناقشات التاريخية التي نتجت عنها الفكرة الأفرسيوية.
ولكن عصرنا، فيما عدا الدول الكبرى، قد أدرك تماماً أن إنقاذ السلام يعني إنقاذ كل شىء، وبدت القوى الروحية والمادية التي التقت في مؤتمر باندونج كأنها تكوّن القاعدة العظيمة للسلام، فلم تكن الكلمات الأولى للمندوبين، مجرد تحيات رسمية، بل كانت تعبيراً دقيقاً مقصوداً من أجل مبادئه، وتدعيمها بالرأي المناسب.
فعل ذلك جمال عبد الناصر منذ كلمته الأولى؛ حين قال مردداً ومزكياً تصريحات نهرو أثناء سفره إلى بكين:((إن إقرار السلام ليس معناه انعدام الحرب، بل معناه التوجيه الرشيد للجهود في سبيل خلق مجتمع عالمي متعايش)).
فهذا التعريف لإقرار السلام ألقى في الواقع نظرة على الهدف العاجل للمؤتمر، ونظرة أخرى على أهدافه المتوقعة البعيدة.
وفي هذا التعريف يرتبط أيضا المغزى السياسي بالمغزى التاريخي، بحيث يقرران معاً الأهمية المزدوجة للمؤتمر الأفرسيوي كجهد دولي يدمج مشكلة السلام في العالم في توقع حضارة جديدة تبنيها سواعد مليار من البشر المنتسبين إلى جميع مراحل التطور الإنساني.
والمشكلتان في الواقع متحدثان، والوسائل التي تستخدم لحل إحداهما، هي نفسها التي تستخدم لحل الأخرى، وهي الوسائل الراهنة الموجودة في حوزة الشعوب الأفرسيوية، والمتمثلة في مواردها الروحية والمادية.
ومما يجب أن يذكر، أن باندونج كان مؤتمراً للبلدان المتخلفة، باستثناء واحدة أو اثنتين تقريباً، أعني البلدان التي ما زالت تعاني بقايا القابلية للاستعمار، والاستعمار، من نقص الأغذية، والأمية وازدياد السكان.