وطبيعى أن يصطدم هذا الاستقلال السياسي والأدبي الذي تجسم في مؤتمر باندونج وفي سير مناقشاته بالعرف والعادات والتقاليد، تلك المعانى التي كونت منذ زمن بعيد مقاييس العصر الاستعماري.
ولقد نفهم من هذا أن تأثير هذه الصدمة على الضمير في الغرب يحتمل أن يوجه رد الفعل توجيهاً سلبياً بقدر كبير. وبالفعل رأينا كلمات تروج في الصحافة كنا قد اعتقدنا أن زمنها قد فات، فلم تعد لها قيمة. فإذا بهم يتحدثون عن ((الخطر الآسيوي)) ويبعثون ((الخطر الأصفر)) من قبره إلى الخطر الذي كان الحجة العليا لدبلوماسية (وليم الثانى) حين أراد أن يلفت الرأي العام العالمي الذي أقلقته كلمة أخرى شائعة أعلن فيها هذا الإمبراطور شعاراً ألمانياً حين قال: ((إن إمبراطوريتنا لقائمة على المياه)).
وتحدثوا أيضاً أو تهامسوا عن (الخطر الإسلامي). وتلك هي نفسية الاستعمار القديمة، فهو عندما يستنفد كل مبرراته، ولا سيما مبرر (القوة) نجده يستخدم جند الأشباح القديمة مفتخراً برسالة (ناشر الحضارة) أمام (المتوحشين الإفريقيين) المؤبدين، وأمام (الهمج الآسيويين).
وبذلك دلت قرائن الأحوال على أن حجة الاستعمار لم تنفد، بل إنها غير قابلة للنفاد، فلقد تجددت مع باندونج، وأصبحت كلمة باندونج نفسها مفتاح التفسير السياسى للأحداث عند البعض، إذ عندما تجري الأحداث على غير ما يرضي المصالح الاستعمارية، نراهم ينسبونها إلى تأثير المؤتمر الأفرسيوي. ففى خلال مناقشات دارت في البرلمان الفرنسي عن مسألة الجزائر كانت باندونج هي شاشة عرض المناقشات المتصلة بموضوع الإدراج المفاجئ للقضية في جدول أعمال الأمم المتحدة، فأعلن المتحدث باسم الحكومة في المجلس ((أن مؤتمر باندونج - كان وسيكون ذا نتائج خطيرة، مع أننا لم نتوقع له أن يحدث انقلاباً كهذا في العالم .. )) فالمسؤول الفرنسي لا يرى طبعاً في هذه النتائج الخطيرة التحول الذي يمكن أن يطرأ في الوضع الإنساني على محور طنجة - جاكرتا،