[الرد على مجيزي التنمص للزوج]
إن القول بأنه يجوز النمص للمرأة عند زوجها لابد من الرد عليه فنقول: إن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الوشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن) ثم أتى بما يوضح الأمر أكثر فقال: (المغيرات لخلق الله).
فالحديث قد ذم التغيير لخلق الله جل في علاه؛ لأنه يتضمن التسخط على أقداره تعالى، فظهر أن مما تمنعه الشريعة التغيير لخلق الله، وذلك حاصل في تنمص المرأة لزوجها، فالنساء إذا فعلن ذلك غيرن من خلق الله فوقعن في المحذور.
ونرد عليه كذلك بأننا معك في أن من مقاصد الشريعة التجمل للزوج، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (حبب إليك من دنياكم الطيب والنساء)، وعائشة رضي الله عنها وأرضاها لما جاءتها أم سلمة وتنازلت عن ليلتها قالت: (فأخذت عطري فتطيبت، ودخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتعرض له، فقال: هذه ليست ليلتك، فقالت له: فضل الله يؤتيه من يشاء).
ومن مقاصد الشريعة أن تتزين المرأة لزوجها، فلا تدخل عليه عابسة دائماً، أو برائحة تنفره منها، بل لابد أن تدخل عليه برؤية ما هو مباح منها، لا ما هو محرم؛ لكي لا نصادم الشريعة نفسها، فيحل لها أن ترتدي كل الثياب، وأن تتجمل له، ولها أن تجعل تسريحات معينة غير المنهي عنها، أما المحرم فلا يجوز أن تتزين به.
نرد عليه كذلك بأن نقول: إن فهم الصحابة مهم في الحكم، والراوي أعلم بما روى، وقد جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أنه دخلت عليه امرأة فعلت هذا الوشم، فقال لها: لعن الله الواشمات والمستوشمات أو قال: لعنة الله على الواشمات والمستوشمات، والمتفلجات للحسن، لعنة الله على النامصات والمتنمصات، فرجعت المرأة على استحياء فقرأت كتاب الله ثم جاءت، فقالت: قرأت كتاب الله من أوله إلى آخره، فما وجدت ذلك، قال: لو قرأتيه لوجدتيه، فإن الله يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧]، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، ففهم ابن مسعود عموم الآية، والقول بإباحته للتجمل للزوج يخالف العموم.
وكذلك فإن النهي النبوي يصدقه الواقع، فقد ظهر بحث طبي يدل على أن النمص يؤذي المرأة، ويلحق الضرر بها، فتكون المتنمصة قد وقعت في محظور، وألحقت بنفسها الضرر، وهذا محظور أيضاً؛ لأن الله يقول: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:١٩٥]، وقال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:٢٩].
فظهر بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك شاردة ولا واردة، ولا شاذة ولا فاذة إلا محص النظر فيها، كما قال أبو ذر لما نظر إلى الطائر يقلب جناحيه في السماء قال: مات الرسول صلى الله عليه وسلم وما من طائر يقلب جناحيه إلا وعلمنا منه علماً.
وجاء في الحديث الذي في السنن: أن امرأة جاءت عائشة: (إن امرأة جاءت وقالت: يا رسول الله! زوجت ابنتي فأصيبت بالحصبة فتمزق شعرها) أي: تساقط الشعر، ثم قالت: (أفأصل شعرها؟)، لأن الرجل إذا أراد أن يدخل على امرأته، فيجد الشعر قد تمزق، فإنه لا يرغب فيها، وبعدما بينت له الحاجة الملحة قال لها صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الواصلة والمستوصلة).
فما جعل رسول الله هذه الحاجة أو الضرورة معتبرة في الشرع، وبين أن هذا قدر الله، ولا بد على العبد أن يرضى بقدر الله جل في علاه.
ونبهت هنا على هذه المخالفة التي تقع فيها كثير من النساء اعتماداً منهن على فتوى معينة ليست صحيحة.
فالصحيح أن نقول: إن المرأة ولو كانت الحاجة ملحة، وتجعلها من السوء بمكان، فنقول لها: هذا قدر الله عليك، فلا تفعلي شيئاً، لكيلا يقع السخط عليك من ربك جل في علاه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد لعن النامصة والمتنمصة، ولو كان ذلك تزيناً للزوج.
وكذلك لا يجوز التحايل بعمل الصبغ، فهو التغيير لخلق الله جل في علاه، ولا يجوز للمرأة ذلك إلا في حالة واحدة، وهي ما إذا قال المختص إنه سيستمر يوماً أو يومين فقط، ثم ينتهي، فيكون ذلك قياساً على الشفاه وقلم الحواجب، فيجوز لها أن تفعل ذلك، لكنه إن كان سيستمر أكثر من ذلك فإنه لا يجوز.
وأما ما تفعله المرأة من الصباغ الملون، فإنه يجوز، وقال بعضهم: لا يجوز، وقد كنت أقول: إنه لا يجوز ثم رجعت عن هذا القول، فهو وشم بالرسم ولكنه يزول، فيجوز للمرأة أن تستعمل هذا الوشم أو الرسم المؤقت، وهو منتشر عند أهل الخليج، فلهم رسم في الأيدي كالحناء وليس فيه شيء؛ لأنه مؤقت.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.