للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم زواج المرأة بدون ولي]

أما المسألة الأولى: وهي زواج المرأة بغير ولي فهو زواج باطل لا يصح، وأيما امرأة تزوجت بغير ولي فزواجها باطل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل، باطل).

والتكرار يدل على التأكيد، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له).

وأيضاً: جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: كنا نعد المرأة التي تزوج نفسها أنها زانية.

وفي كتاب الله إشارات عظيمة جداً إلى لزوم وجود الولي، منها: قول الله جل وعلا: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة:٢٣٢] أي: الأولياء {أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة:٢٣٢] يعني: إذا تراضوا بينهم، فلا بد من أن ترجعوهن.

فقوله: ((فَلا تَعْضُلُوهُنَّ))، خطاباً لولي الأمر، فهو إشعار وإشارة إلى أن ولي الأمر هو الذي يتحكم في إنكاح البنت، فهذه إشارة من الكتاب، وتصريح من السنة.

فإذاً: وجود الولي، شرط من شروط صحة العقد، فإذا انتفى الشرط، انتفى المشروط.

وأيضاً: قال النبي صلى الله عليه وسلم: كما في السنن وهو مختلف في إسناده، والراجح الصحة: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل).

والأصل أن النفي المطلق يكون على الوجود، فإذا لم يكن الحمل على نفي الوجود، أو نفي الأصل، فيحمل على نفي الصحة، فإن لم يكن الحمل على نفي الصحة يكون الحمل على نفي الكمال.

فعندما يقول: لا نكاح إلا بولي، ليس المقصود منه نفي الوجود، وإنما نفي الصحة، وهو مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (نكاح المرأة بغير ولي، نكاح باطل).

فنفى النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح) فنفي النكاح، ثم اشترط شروطاً، وفيها دلالة على أن الحكم مناط بهذه الشروط، إن تخلف شرط واحد منها فالنكاح باطل.

أما حديث: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)، فهذه الزيادة -أي: وشاهدي عدل- اختلف في صحة إسنادها، فعند من يقول بالصحة يقول: شهود العدل شرط الصحة، فمثلاً: لو جاء الخاطب فخطب البنت من وليها فوافق ثم قال: نكتب الآن، فكتب المأذون وقال الولي: زوجتك ابنتي، فقال الخاطب: قبلت، ولم نجد الشهود، فالنكاح -أيضاً- باطل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعله شرطاً من شروط العقد، فكأنه قال: لا نكاح صحيح إلا بشرطين اثنين: الأول: الولي، والثاني: شاهدي عدل.

فإذا لم يوجد شهود فالنكاح غير صحيح، كما في مذهب مالك، وقاله شيخ الإسلام ابن تيمية يكفي أحد أمرين: إما الإشهار، وإما الشهود.

لكن المالكية أشد قولاً من شيخ الإسلام ابن تيمية، فهم يقولون: الإشهار مقدم على الشهود.

وهذا معناه: أنه لو جاء الخاطب فقال للولي: زوجني ابنتك، فقال: زوجتك، فقال الخاطب: قبلت، ثم قال: العرس غداً.

فعمل العرس في المسجد، ودعا الناس جميعاً، والشهود لم يشهدوا العقد، فإن العقد صحيح، للإشهار، ويستدلون لذلك بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وضعفه كثير من المحدثين، وصححه بعضهم، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالدفوف)، صححه الألباني، فالمقصود بقوله: (أعلنوا النكاح) أي: الإشهار، وهو الإعلام، قالوا: وهذا يدل على أن الإشهار يقوم مقام الشهود.

والصحيح الراجح في ذلك وهو قول الجمهور: أن العقد بلا شهود عقد باطل، وليس بصحيح فلابد من الشهود، والإشهار ليس شرطاً.

فنقول: إذاً بهذه الأدلة كلها أي: زواج بدون ولي فالنكاح باطل، والمرأة زانية.

<<  <  ج: ص:  >  >>