أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: فكثير من النساء اليوم كأنهن أخذن بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (النساء شقائق الرجال) فصرن يتبعن الجنائز، ويذهبن إلى المقابر، فهل زيارة المقابر للنساء تجوز أم هي من المخالفات التي لابد أن تعاتب المرأة عليها؟ مع أن الأصل في زيارة المقابر الاستحباب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى نهياً عاماً عن زيارة المقابر ثم أباح ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم:(إني كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها فإنها تذكر بالآخرة).
فبها يرق القلب، وتدمع العين، ويتذكر الإنسان الآخرة، ولذلك كان من الاستحباب بمكان أن الإنسان إذا تحجر قلبه أن يذهب إلى المقابر ويعتبر، ويعلم أنه لابد أن ينزل في هذا الصندوق الذي هو محل العمل، وأنه مجمع الخيرات أو مجمع الشرور، يمر على القبور فيتذكر مكانه وحسابه، ويتذكر الملكين عندما ينزلان له ويسألانه من ربك؟ وما دينك؟ وماذا تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟ وقول النبي صلى الله عليه وسلم:(ألا فزوروها) للاستحباب، وجمهور الأصوليين يرون أن الأمر بعد الحظر للإباحة، لكن الصحيح أنه للاستحباب؛ لأجل الحكمة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث.