للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما ينبئ عن تلك الغاية فيها تسمية بعضها ب (الكشف) و (الموضح).

وصرّح ابن جني في (المحتسب) بأنه يتحامى «الإطالة لا سيما في الدقيق، لأنه مما يجفو على أهل القرآن.» «١»

ولم يشذّ من كتب الاحتجاج عن هذه السمة إلا كتاب الحجة لأبي علي، فقد كان فيه، ولا سيما أوائله، قصد إلى التعمية، بكثرة انتقالاته بين أشياء لا يظهر للقارئ وجه الربط بينها إلا بشقّ الأنفس، مع اقتضاب العبارة حينا، والتوائها حينا آخر، وحرص على حشد الأقوال والمذاهب؛ وهو مما أخذ عليه، فهذا ابن جني وهو تلميذه يقول:

«وقد كان شيخنا أبو علي عمل كتاب الحجة في قراءة السبعة، فأغمضه وأطاله حتى منع كثيرا ممن يدّعي العربية فضلا على القراء- منه، وأجفاهم عنه.» «٢»

ويبدو أن ما حمل أبا علي على هذا الإغماض أمران:

الأول: المنافسة، فقد التزم أبو علي أن يصدّر احتجاجه لأوجه القراءات باحتجاج أبي بكر الذي شرع فيه ولم يتمّه «٣». فكان يستقصي القول من بعده ليدلّل على طول باعه

في العلم، وأنه لا يقلّ فيه عن شيخه إن لم يكن يفوقه.

والآخر: ظنّ أبي علي أن وعورة الكتاب مما يزيد في قيمته، لأنها تجعل أمر ارتياده وقفا على خاصة العلماء، فقد حكي أنه لمّا عمل (الإيضاح) لعضد الدولة البويهي (ت ٣٧٢ هـ) استقصره، وقال: ما زدت على ما أعرف شيئا، وإنما يصلح هذا للصبيان. فمضى وصنّف (التكملة)، فلما وقف عليها قال:

غضب الشيخ، وجاء بما لا نفهمه نحن ولا هو «٤».


(١) المحتسب: ١/ ١٩٧، وانظر المصدر نفسه: ١/ ٢٣٦، ٢٦٣، ٣٢٢، ٢/ ٢٣١.
(٢) المحتسب: ١/ ٢٣٦، وانظر المصدر نفسه: ١/ ٣٤، ١٩٧.
(٣) انظر الحجة (ع): ١/ ٦.
(٤) البغية: ١/ ٤٩٦.

<<  <   >  >>