وأما معنى المرسل في الاصطلاح فإن المحدثين اختلفوا في تعريفه على أقوال كثيرة جداً، وسنجملها -إن شاء الله تعالى- في ثلاثة أقوال: الأول: وهو قول كثير من المحدثين: أنه رواية التابعي الكبير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنى هذا التعريف: أن الرواة بعد الصحابة إما أن يكونوا من التابعين أو لا، والتابعون قسمان: كبار وصغار، فالكبار مثل: سعيد بن المسيب وعبدالله بن عتبة بن مسعود ومسلم بن يسار، هؤلاء من طبقة كبار التابعين، وأما صغار التابعين فكـ الزهري وأيوب السختياني، وأما غير التابعين فمطلق وليس مقيداً، فقال أصحاب هذا القول في تعريف المرسل بأنه: رواية التابعي الكبير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كـ سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكـ القاسم بن محمد بن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا هو المرسل فقط عندهم.
ووجهة ذلك: أنه لما كان النظر في الحديث المرسل إلى من أسقط من السند، فإن التقييد بكبار التابعين معناه: أن الذي أسقط سيكون صحابياً، وأن التابعي قد أرسله عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسقاط الصحابي، قالوا: وهذا في غالب ظننا أنه لا يكون إلا من التابعي الكبير؛ لأنه لو كان تابعياً صغيراً فيحتمل أنه أخذ من التابعي الكبير ولم يأخذ عن الصحابة، إلا من عاش دهراً من الصحابة، ومنهم أنس بن مالك، وهذا نادر؛ لأنه نادر؛ ولأنه يصعب على كل صغار التابعين الرحلة إلى هذا الصحابي الذي عُمِّر، حتى يسمعوا منه هذا الحديث، هذا هو التعريف الأول للمرسل عند العلماء، وهو الصحيح الراجح.
القول الثاني: وهو قول جمهور المحدثين: أنه رواية التابعي بإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قالوا: لأنه لا يشق على التابعي الصغير أن يذهب إلى هذا الصحابي ليأخذ منه الحديث ويرويه عنه، وقد كان هذا موجوداً، وإذا كان موجوداً وممكناً فلابد أن نلحقه بالحكم المجاور له.
فقالوا: بأنه رواية التابعي بإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم.
القول الثالث: وهو قول الأحناف: أنه رواية التابعي وغير التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو من المتأخرين.
وهذا غير مرضي بحال من الأحوال؛ لأننا إذا قلنا بأن المرسل هو: رواية التابعي الكبير، فيكون قد أسقط فيه الصحابي، فيكون احتمال الضعف قليلاً، وإذا قلنا بأن المرسل هو: رواية من تحت التابعي، بل تحت أتباع التابعين، فإنه يكون من المحتمل أنه قد سقط من السند أكثر من راو، فيكون احتمال الضعف كبيراً.
وقال بعض العلماء: كل منقطع مرسل، فقالوا: المرسل: هو إسقاط راوٍ من أي طبقة من طبقات الإسناد، بشرط أن يكون الساقط واحداً فقط، أما لو سقط أكثر من واحد فإنه يكون معضلاً.
وهذا أيضاً توسع غير مرضي، مثل رواية مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلو أسقط زيد أباه فرواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، أو أسقط مالك زيداً فرواه عن أسلم فإن أصحاب هذا القول يسمونه مرسلاً.