للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم الحديث المعنعن]

صيغة (عن) ليست تصريحاً بالسماع, وهي تحتمل السماع، فيحتمل أن نافعاً سمعه من ابن عمر وأتى بهذه الصيغة، ويحتمل عدم السماع، وأنه قد سمعه من تلميذ ابن عمر ثم أسقط هذا التلميذ وأتى بهذه الصيغة (عن).

والمحدثون لهم في حكم المعنعن أربعة أقوال: القول الأول: المنع من قبولها مطلقاً, قالوا: تحمل هذه الصيغة على الانقطاع, ولا يصح أن نقبل حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد إلا وفيه التصريح بالسماع، قال شعبة: كل حديث ليس فيه حدثنا ولا أخبرنا فهو خل وبقل.

وهذا تشدد مرفوض؛ لأنه سيضيع علينا كثير من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.

القول الثاني: قول أبي المظفر السمعاني قال: تقبل العنعنة بشروط: الشرط الأول: ألا يكون الراوي مدلساً.

الشرط الثاني: أن يثبت لقاء التلميذ مع الشيخ.

الشرط الثالث: طول الصحبة.

وهذا تشدد؛ إذ لا يمكن لكل محقق أن يثبت طول الصحبة أو ينفيها.

القول الثالث: قول البخاري جبل الحفظ أمير المؤمنين في الحديث شمس الحديث التي أشرقت على الدنيا فانهال الخير عليها بهذه الشمس, يقول: يشترط في قبول الحديث المعنعن ثلاثة شروط: الشرط الأول: ألا يكون الراوي مدلساً.

الشرط الثاني: المعاصرة.

الشرط الثالث: ثبوت اللقاء ولو مرة واحدة.

فمثلاً: حبيب بن أبي ثابت يروي عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فإذا ثبت أن حبيب بن أبي ثابت التقى مع عروة بن الزبير مرة واحدة فنقبل عنعنته، وإلا لم نقبلها؛ لأنه يحتمل أنه أرسل عنه إرسالاً خفياً ولم يسمع منه، وإمكان اللقيا تعرف بالسن وتعرف بالبلد, فينظر سنة وفاة هذا، وسنة ولادة هذا، وأيضاً: حبيب بن أبي ثابت كوفي, وقد ثبت أن عروة دخل الكوفة, فإذا دخل عروة الكوفة فلا يبعد أن يذهب إليه حبيب وهو يعلم من عروة الذي انتشر اسمه وسط كل المحدثين، وهو الذي وقف عند الكعبة يدعو الله أن يأخذ عنه الناس علم حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد تثبت اللقيا بالقصة كما قال الرواي عن عمران بن حصين: رأيت عمران بن حصين يرتدي قميصاً صفته كذا.

فهذا القول الثالث هو قول فحول أهل الحديث, قول البخاري وقول شيخه علي بن المديني، والقول الأول الذي فيه تشديد هو قول الشافعي مع شعبة، فـ الشافعي صرح بذلك في الرسالة.

القول الرابع: قول الإمام مسلم وهو الاكتفاء بالمعاصرة، فإن عنعن الراوي الذي لا يدلس عن شيخ معاصر له فإنه يقبل حديثه، وقد اشتد نكيره على البخاري في اشتراطه ثبوت اللقاء.

فإذا روى سعيد بن المسيب عن عمر، وسعيد بن المسيب ليس مدلساً، وأتى بصيغة (عن) التي تحتمل السماع، فعلى القول الأول لا يقبل حديثه، وعلى القول الثاني: لا يقبل حديثه أيضاً؛ لأنه لم يثبت أن سعيداً أطال مصاحبة عمر، وعلى القول الثالث: يقبل حديثه؛ لأنه ثبت أن سعيداً حضر خطبة عمر، وعلى القول الرابع: أيضاً يقبل حديثه؛ لأنه عاصره، وإن لم يثبت أنه التقى به.

إذاً: قول الإمام مسلم أسهل الأقوال الأربعة، وهو أن الحديث المعنعن يحمل على الاتصال بشروط ثلاثة: الأول: عدم الاتهام بالتدليس.

الثاني: أن يكون التلميذ قد عاصر شيخه.

الثالث: إمكان اللقاء في الرحلة وغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>