النوع الثاني: تدليس السكوت: وهو أن يذكر الشيخ الصيغة ويسكت عن ذكر شيخه، ثم يذكر شيخاً فوقه بطبقة، كأن يقول: حدثنا، ثم يسكت هنيهة، فيسمي اسماً في نفسه لا يسمعه الذين يجلسون معه في مجلس التحديث، ثم بعد ذلك يذكر شيخاً فوقه بطبقة، ومثلوا على ذلك بقول عمر بن عبيد الطنافسي: حدثنا وسكت، ثم قال: هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، فالمتأمل لهذا السند يظن أن هذا المحدث قد سمعه ممن فوقه -من هشام بن عروة - ويكون السند أمامه ظاهراً نقياً نظيفاً، ليس فيه شيء؛ لأن المحدث لا عنعن ولا قال: قال، ولا قطع، بل قال: حدثنا وتنفس، ثم قال: هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، ولكن لما روجع المحدث في الواسطة بينه وبين هشام بن عروة، قال: ما سمعته من هشام بن عروة.
فهذا هو تدليس السكوت، وهو أشد وأنكى من النوع الأول؛ لأن المحدث هنا يذكر الصيغة فيقول: حدثنا أو أخبرنا أو سمعت، ثم بعد ذلك يسكت، ويسمي من سمع منه في نفسه دون أن يعلم مجلس التحديث أنه سماه، ثم يأتي باسم من الطبقة التي فوقه، ويجري الإسناد على ذلك فيصبح كأنه لا إظلام فيه؛ لوجود صيغة التحديث، وكلها مستوية بين التلميذ وبين الشيخ، وهذا هو النوع الثاني من أنواع تدليس الإسناد.