كان الإمام الثوري يحمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم ويعمل به؛ لأنه قال: يا أهل الحديث! عليكم بزكاة الحديث، وزكاة الحديث في كل أربعين حديث أن تعملوا بحديث واحد، وقال: والله ما حفظت حديثاً ووعاه قلبي واحتجت أن أسترجعه إلا ختم الله به على قلبي جل في علاه حفظاً وإتقاناً وتثبيتاً.
وهذا أيضاً من ورعه وتقواه تثبيتاً للحفظ والعمل به؛ لأنه قال: ما سمعت حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فحفظته إلا وعملت به ولو مرة واحدة في حياتي، ولذلك ورد عنه أنه قال: يا أهل الحديث! إن تعملوا بالحديث مرة واحدة تكونوا من أهله.
ومن درر كلام الثوري أنه قال: من اعتاد أفخاذ النساء ضيع عليه العلم.
وأيضاً من درر كلام الثوري -وهذا الكلام فيه نظر- أنه قال: من تزوج فقد ركب البحر، ومن أنجب له أو ولد له فقد كسرت سفينته، يعني: قارب على الغرق والهلاك، مع أنه تزوج، وكذلك الشافعي ومالك وأبو حنيفة، ولكن إذا دققت النظر في كلام العلماء تجد بالتحليل والتدقيق أنهم كانوا ينهون الناس عن أن يتزوجوا قبل أن يتفقهوا، ولذلك كان الشافعي كثيراً ما يقول: تفقهوا قبل أن تسودوا.
فأنت إذا طلبت الأصول وأتقنتها ثم تزوجت بعد ذلك فإن البركة تكون معك.
كذلك من درر كلام الثوري أنه قال: على طالب العلم أن ينتقي.
يعني: يعرف من يدخل عليه؛ لأن كثيراً من الناس لا ينتقون من يدخلون عليهم عند التعلم، وقد كان الثوري وابن عيينة والشافعي يقولون: الانتقاء هو أول الطريق، أي: انتقاء العالم هو أول الطريق؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(إن من علامات الساعة طلب العلم عند الأصاغر) يعني: الأصاغر في العلم، الذين لم يتقنوه وما درسوه على أيدي مشايخ كبار في العلم، وما قرءوا على عالم فأجازهم، ولا أتقنوا المسائل، ما هي إلا نقل أقوال، أو سماع لبعض الأشرطة، مع عدم الإتقان والتمحيص والتنقيح والتدقيق.