للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحديث المؤنأن وحكمه]

الحديث المؤنأن مثل الحديث المعنعن، لكن بدل كلمة (عن) يأتي بكلمة (أن) , والحديث المؤنأن له حكم الحديث المعنعن، مثاله أن يروي الشافعي أن ابن عيينة قال عن الزهري، أو أن الزهري قال: أن أنساً قال، مثال آخر: يقول مالك أن نافعاً أخبره: (أن ابن عمر أخبره: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وهبته).

مثال آخر: أن يروي حماد بن زيد أن عمرو بن دينار قال: إن جابر بن عبد لله قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كذا وكذا.

فصيغة (عن) و (أن) كلاهما تحتمل السماع وليست صريحة فيه.

وقد اختلف العلماء في حكم الحديث المؤنأن على أقوال: القول الأول: قول جماهير المحدثين وهو قول مالك كما نقله عنه ابن عبد البر أنه يحمل على السماع، وسووا بين العنعنة والأنأنة فقبلوها مطلقاً.

القول الثاني: قول أحمد بن حنبل: أن الأصل في الأنأنة الانقطاع، وهذا صنيع البخاري في التاريخ الكبير وفي غيره، فجعلوا حكم الأنأنة حكم العنعنة لكنها أقل رتبة منها.

وقد فصل ابن رجب الحنبلي في شرح علل الترمذي هذه المسألة تفصيلاً بديعاً، مما يدل على طول باعه وسعة اطلاعه وتضلعه في علم الحديث وعلم الفقه وعلم الأصول، وهو من فحول أهل العلم ومن فحول الفقهاء المحدثين, قال في شرح علل الترمذي: الحديث المؤنأن له حالتان: الحالة الأولى: حكاية قول, الحالة الثانية: حكاية فعل أو قصة.

مثال الأول: مالك أن نافعاً أخبره أن ابن عمر أخبره، فهذه حكاية قول، مثال آخر: عن مالك أن نافعاً قال: إن ابن عمر قال: إن رسول صلى الله عليه وسلم قال.

ومثال حكاية فعل أو قصة أن يروي محمد بن الحنفية (أن رسول الله مر بـ سلمان وهو يصلي فأشار إليه أن السلام عليكم).

قال ابن رجب: ننظر في الحالتين, أما حالة حكاية القول فهي والعنعنة سواء، وإن كانت أقل رتبة، وهذا قول البخاري وهو الراجح الصحيح, فتقبل بالشروط التي ذكرناها في العنعنة.

قال: وأما الثانية وهي حكاية الفعل فلا نقبلها إلا إذا ثبت السماع، ففي المثال السابق لا نقبل رواية محمد بن الحنفية لأنه لم يثبت سماعه من سلمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>