ومن علماء المرتبة الثانية ابن عيينة، وتدليسه أرقى من تدليس الثوري؛ لأن الثوري كان يدلس عن ضعفاء الحديث وعن الثقات، أما ابن عيينة فكان تدليسه تدليساً منتقى، إذْ كان يحسن تجويد الإسناد، ولذلك كان يروي الحديث عن عمرو بن دينار، فيقولون: سمعته من عمرو؟ فيقول: اتركه على ما هو عليه، فيقولون: نردده عليك يا ابن عيينة أسمعته من عمرو؟ فيقول: جودته فاتركوه، فيقولون: لا، سمعته من عمرو؟ فيقول: لا، ما سمعته من عمرو.
ومرة كان يحدث عن الزهري، وبين الزهري وبين ابن عيينة ثلاث طبقات؛ ولكن الزهري كان شيخاً مباشراً له؛ لأن ابن عيينة تعمر واحداً وتسعين سنة، فأدرك الزهري -هذا على الراجح- وكان يروي عنه وهو شيخه المباشر، فيقول: عن الزهري، فيقولون: سمعته من الزهري؟ فيقول: اتركوه، فيقولون: لا والله، سمعته من الزهري؟ فيقول: لا، ولا ممن سمعه من الزهري، سمعته من عبد الرزاق عن معمر بن راشد عن الزهري، ويسرد الحديث.