للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا المعنى جار في تقييد المطلق. فإن المطلق متروك الظاهر مع مقيّده، فلا إعمال له في إطلاقه، بل المعمل هو المقيّد .. فكأن المطلق لم يفد مع مقيّده شيئا، فصار مثل الناسخ والمنسوخ. وكذلك العام مع الخاص؛ إذ كان ظاهر العام يقتضي شمول الحكم لجميع ما يتناوله اللفظ، فلما جاء الخاص؛ أخرج حكم ظاهر العام عن الاعتبار، فأشبه الناسخ والمنسوخ، إلا أن اللفظ العام لم يهمل مدلوله جملة، وإنما أهمل منه ما دل عليه الخاص، وبقي السائر على الحكم الأول .. فلما كان كذلك؛ استسهل إطلاق لفظ النسخ في جملة هذه المعاني لرجوعها إلى شيء واحد" (١).

ثم يورد الشاطبي بضعا وعشرين قضية نسخ، رويت عن الصحابة والتابعين، ليستدل بها على أن مدلول النسخ عند الصحابة كان أوسع منه عند الأصوليين. ونحن نجتزئ بعض هذه القضايا، معقبين على كل منها برأي جمهور الأصوليين فيها ..

١ - أولى هذه القضايا ما روي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه قال في قوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [سورة الإسراء:

١٨] إنه ناسخ لقوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها [سورة الشورى: ٢٠]. وهو على هذا التحقيق تقييد لمطلق؛ إذ كان قوله: نُؤْتِهِ مِنْها مطلقا، ومعناه مقيد بالمشيئة (وهو قوله في الأخرى: ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ).

وإلا .. فهو إخبار، والأخبار لا يدخلها النسخ (٢).


(١) الموافقات، ٣/ ١٠٨، ١٠٩.
(٢) الموافقات، ٣/ ١٠٩.

<<  <   >  >>