ويملك قلبك. وسوء الاختيار في شيء من ذلك قد ينزل به حتى تمجّه أذنك، وتغثي منه نفسك، وينفر منه طبعك".
ثم يقول- رحمة الله عليه:" .. فالجديد في لغة القرآن أنه في كل شأن يتناوله من شئون القول يتخير له أشرف الموادّ، وأمسّها رحما بالمعنى المراد، وأجمعها للشوارد، وأقبلها للامتزاج، ويضع كل مثقال ذرة في موضعها الذي هو أحق بها وهي أحق به ... بحيث لا يجد المعنى في لفظه إلا مرآته الناصعة، وصورته الكاملة، ولا يجد اللفظ في معناه إلا وطنه الأمين، وقراره المكين. لا يوما أو بعض يوم، بل على أن تذهب العصور وتجيء العصور، فلا المكان يريد بساكنه بدلا، ولا الساكن يبغي عن منزله حولا .. وعلى الجملة يجيئك من هذا الأسلوب بما هو المثل الأعلى في صناعة البيان".
ثم ينتقل إلى خصائص الأسلوب القرآني، فيبين الأسباب التي بلغ بها درجة الإعجاز .. ونجتزئ من كلماته النيّرة الفذة .. قال- رحمة الله عليه:
[خطاب العامة وخطاب الخاصة:]
وهاتان غايتان أخريان متباعدتان عند الناس. فلو أنك خاطبت الأذكياء بالواضح المكشوف الذي تخاطب به الأغبياء؛ لنزلت بهم إلى مستوى لا يرضونه لأنفسهم في الخطاب. ولو أنك خاطبت العامة باللمحة والإشارة التي تخاطب بها الأذكياء؛ لجئتهم من ذلك بما لا تطيقه عقولهم. فلا غنى لك (إن أردت أن تعطي كلتا الطائفتين حظّها كاملا من بيانك) أن تخاطب كل واحدة منهما بغير ما تخاطب به الأخرى، كما تخاطب الأطفال بغير ما تخاطب به الرجال. فأما أن جملة واحدة تلقى إلى العلماء والجهلاء، وإلى الأذكياء والأغنياء، وإلى السّوقة والملوك .. فيراها كلّ منهم مقدّرة على مقياس عقله وعلى وفق