إن الهدف الذي قصد إليه الشاطبي في هذه المسألة هو إبراز التناسب بين بعض القرآن وبعض، وذلك من خلال أن السورة القرآنية مهما تعددت قضاياها فهي كلام واحد مرتبط أوله بآخره، وآخره بأوله، ومن خلال تعلق الجمل بعضها ببعض في القضية الواحدة، وأنه لا غنى لمستفهم نظم السورة عن استيفاء النظر في جميعها، كما لا غنى عن ذلك في أجزاء القضية.
وعدّ الشاطبي هذا ضابطا يعول عليه في فهم سور القرآن، وحذر من الإغراق في النظر في الآيات على أنها منفصلة تماما عن غيرها. فمن فعل هذا؛ فلن يحصل له إلا فهم الظواهر بحسب الوضع اللغوي فقط، لا بحسب مقصود المتكلم .. قال:" لا بدّ من ضابط يعول عليه في مأخذ الفهم. والقول في ذلك أن المساقات تختلف باختلاف الأحوال والأوقات والنوازل، وهذا معلوم في علم المعاني والبيان. فالذي يكون على بال من المستمع والمتفهم الالتفات إلى أول الكلام وآخره بحسب القضية وما اقتضاه الحال فيها، لا ينظر في أولها دون آخرها، ولا في آخرها دون أولها .. فإن القضية وإن اشتملت على جمل؛ فبعضها متعلق بالبعض؛ لأنها قضية واحدة نازلة في شيء واحد فلا محيص للمتفهم عن رد آخر الكلام على أوله، وأوله على آخره، وإذ ذاك يحصل مقصود الشارع في فهم المكلف. فإن فرق النظر في أجزائه؛ فلا يتوصل به إلى مراده. فلا يصح الاقتصار في النظر على بعض أجزاء الكلام دون بعض، إلا في موطن واحد،