بادئ ذي بدء .. فإن قضية النسخ في كتب علوم القرآن وأصول الفقه، قضية متشعبة كثيرة المسائل والذيول، مما نحا بعلماء الأصول والقرآن أن يؤلفوا فيها المؤلفات الكثيرة والواسعة. ومن البداهة أننا لن نعرض في بحثنا هذا لقضية النسخ برمتها، بل سنجتزئ من ذلك بقضيتين ذكرهما الشاطبي: مدلول النسخ عند الصحابة والتابعين، وأن النسخ لا يدخل القواعد الكلية وقوعا.
[مدلول النسخ:]
ذهب الصحابة والتابعون ومن بعدهم إلى أن النسخ هو مطلق التغير الذي يطرأ على بعض الأحكام فيرفعها ليحل محلها أو يخصص ما فيها من عموم، أو يقيد ما فيها من إطلاق. سواء أكان النص الناسخ عندهم متصلا بالنص المنسوخ، كما في الاستثناء والتقييد، أم كان منفصلا عنه متأخرا في النزول، كما في رفع الحكم عن بعض ما يشمله العام إذا تأخر نزول المخصّص (وهو النسخ الجزئي عند الحنفية). وفي بيان ذلك يقول الشاطبي:" الذي يظهر من كلام المتقدمين أن النسخ عندهم في الإطلاق أعم منه في كلام الأصوليين. فقد كانوا يطلقون على تقييد المطلق نسخا، وعلى تخصيص العموم بدليل- متصل أو منفصل- نسخا، وعلى بيان المبهم والمجمل نسخا .. كما يطلقون على رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر نسخا؛ لأن جميع ذلك مشترك في معنى واحد، وهو أن النسخ في الاصطلاح المتأخر اقتضى أن الأمر المتقدم غير مراد في التكليف، وإنما المراد ما جيء به آخرا .. فالأول غير معمول به، والثاني معمول به.