٢ - تقسيم القرآن إلى محكم ومتشابه وتعريف كلّ منهما:
وهذا هو الإطلاق الثاني الذي وقع فيه النزاع بين علماء القرآن:
دلت آية هود- كما قلنا سابقا- على أن جميع القرآن محكم بالمعنى الذي ذكرناه آنفا. وآية الزمر أن جميعه متشابه بالمعنى الذي ذكرناه أيضا.
أما قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ [سورة آل عمران: ٧]؛ فإنها تدل على أن بعض القرآن محكم- أي إحكاما خاصّا لا تشابه فيه- وبعضه متشابه أي تشابها خاصّا لا إحكام فيه. ومن ثمّ .. كثر الخلاف بين علماء القرآن في شرح حقيقة كلّ منهما.
والمختار لدى المحققين ما ذهب إليه الإمام الرازي حيث قال:" ولا بدّ لنا من تفسير المحكم والمتشابه بحسب أصل اللغة، ثم تفسيرهما في عرف الشريعة" ..
ثم قال:" الناس قد أكثروا من الوجوه في تفسير المحكم والمتشابه، ونحن نذكر الوجه الملخّص الذي عليه أكثر المحققين، فنقول: اللفظ الذي جعل موضوعا لمعنى .. فإما أن يكون محتملا لغير ذلك المعنى، وإما ألّا يكون. فإذا كان موضوعا لمعنى، ولا يكون محتملا لغيره؛ فهذا هو النص. وأما إن كان محتملا لغيره؛ فلا يخلو .. إما أن يكون احتماله لأحدهما راجحا على الآخر، وإما ألّا يكون كذلك .. فيكون احتماله لهما بالنسبة للراجح ظاهرا، وبالنسبة للمرجوح مؤولا. وأما إن كان احتماله لهما على السّويّة؛ كان اللفظ بالنسبة إليهما معا مشتركا، وبالنسبة إلى كل واحد منهما على التعيين مجملا.
فقد خرج من التقسيم الذي ذكرناه أن اللفظ إما أن يكون نصّا، أو ظاهرا، أو مؤوّلا، أو مشتركا، أو مجملا. أما النص والظاهر؛ فيشتركان في