إذا كان هذا الذي قلناه واضحا، وما إخاله يخفى على أحد من أن القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، وأنه اتخذ من قوانين اللغة وخصائصها في البيان أداة ونهجا وأسلوبا للتعبير عن معانيه .. أقول: إذا كان هذا هكذا؛ فإنه ينبغي أن يسلك به في الاستنباط والاستدلال مسلك العرب في تقرير معانيه على ما هو المعهود عندهم في تلقي الخطاب.
والمقصود بموافقة القرآن معهود العرب: أنه لم يخرج عن لغتهم من حيث ذوات المفردات والجمل وقوانينها العامة. فمن حروفهم جاءت كلماته، ومن كلماتهم نظمت تراكيبه، وعلى قواعدهم العامة في صياغة هذه المفردات، وتكوين تلك التراكيب جاء تأليفه.
فإن قلت: ما دام منزّله- جل شأنه- قد أجراه على سنن العرب في كلامها؛ ففيم كان الإعجاز؟
ونجيب عن هذا التساؤل بما أجاب به شيخ أشياخنا العلامة الدكتور محمد عبد الله دراز- رحمة الله عليه- في كتابه الفذ" النبأ العظيم" .. وذلك حيث يقول:
" فإن قال: قد تبينت الآن أن سكوت الناس عن معارضة القرآن كان عجزا، وأنهم وجدوا في طبيعة القرآن سرّا من أسرار الإعجاز يسمو به عن قدرتهم. ولكني لست أفهم أن ناحيته اللغوية يمكن أن تكون من مظانّ هذا السر؛ لأني أقرأ القرآن فلا أجده يخرج عن معهود العرب في لغتهم العربية. فمن حروفهم ركّبت كلماته، ومن كلماتهم ألّفت جمله وآياته، وعلى مناهجهم في