للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأصوليين والفقهاء؛ إذ إن هذا يناقض الحقيقة البدهية الواجبة مراعاتها في مناهج البحث، وهي تحرير المراد (أو تحرير محل النزاع). ومن ثمّ .. فليس من أمانة البحث

العلمي أن نورد خبرا عن ابن عباس- أو غيره- يقرر فيه نسخ آية لأخرى، مع أنه ليس بين الآيتين إلا علاقة المستثنى بالمستثنى منه، لنستدل بهذا الخبر على أن إحدى الآيتين منسوخة بالأخرى على ما اصطلحنا نحن عليه في تحديد مدلول النسخ أخيرا بأنه رفع تعلق حكم شرعي بدليل شرعي آخر متأخر عنه.

وبوسعك أن ترى هذه الحقيقة التي أوضحتها لك في هذه العبارة التي وردت على لسان الشيخ ولي الله الدهلوي:" من المواضع الصعبة في فن التفسير (التي ساحتها واسعة جدّا، والاختلاف فيها كثير) معرفة الناسخ والمنسوخ.

وأقوى الوجوه الصعبة اختلاف اصطلاح المتقدمين والمتأخرين. وما علم في هذا الباب، من استقراء كلام الصحابة والتابعين، أنهم كانوا يستعملون النسخ بإزاء المعنى اللغوي الذي هو إزالة شيء بشيء، لا بإزاء مصطلح الأصوليين. فمعنى النسخ عندهم إزالة بعض الأوصاف من الآية بآية أخرى .. إما بانتهاء مدة العمل، أو بصرف الكلام عن المعنى المتبادر إلى غير المتبادر، أو بيان كون قيد من القيود اتفاقيّا، أو تخصيص عام، أو بيان الفارق بين النصوص وما قيس عليه ظاهرا، أو إزالة عادة الجاهلية، أو الشريعة السابقة. فاتسع باب النسخ عندهم، وكثر جولان العقل هنالك، واتسعت دائرة الاختلاف. ولهذا بلغ عدد الآيات المنسوخة خمسمائة.

<<  <   >  >>