الخامس: أن مقدار أفهام المخاطبين به ابتداء لا يقتضي إلّا أن يكون المعنى الأصلي مفهوما لهم. فأما ما زاد على المعاني الأساسية؛ فقد تهيأ لفهمه أقوام، وحجب عنه أقوام .. ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.
السادس: أن عدم تكلم السلف عليها إن كان فيما ليس راجعا إلى مقاصده فمن ساعد عليه. وإن كان فيما يرجع إليها؛ فلا نسلم وقوفهم فيها عند ظواهر الآيات، بل قد بينوا أو فصلوا وفرعوا .. في علوم عنوا بها، ولا يمنعنا ذلك أن نقفّي على آثارهم في علوم أخرى راجعة لخدمة المقاصد القرآنية" (١).
والمختار لدى كتب هذه السطور جواز هذا اللون من التفسير، لكن لا بإطلاق .. بل بشرطين ذكرهما العلامة ابن عاشور وغيره .. قال:
" وكل ما كان من الحقيقة في علم من العلوم، وكانت الآية لها اعتلاق بذلك؛ فالحقيقة العلمية مرادة بمقدار ما بلغت إليه أفهام البشر، وبمقدار ما ستبلغ إليه. وشرطه ألا يخرج عما يصلح له اللفظ عربية، ولا يبعد عن الظاهر إلا بدليل، ولا يكون تكلفا بينا، ولا خروجا عن المعنى الأصلي .. حتى لا يكون في ذلك كتفاسير الباطنية".