ودارت الأيام على ابن زمرك فقتل هو الآخر عام ٧٩٧ هـ، وكان ابن زمرك صديقا ندّا للشاطبي، كما سبق ذكره.
هكذا كانت بيئة غرناطة وعصر الشاطبي، فعلى ما فيها من ازدهار في العلوم والآداب بحيث كان ذلك الوقت عصرا لكبار الفقهاء كابن عرفة، وابن مرزوق الجد، والعقباني، والأدباء كلسان الدين ابن الخطيب، وابن خلدون ...
وغيرهم ممن عرفت .. على هذا الازدهار كان ما رأيت من سريان الداء إلى جسد الحياة اليومية، وما سمعت من تهتك أديم نظام السلطة والكلب على الحكم.
وعلى كل ذلك لم يكن هناك صدى فيما كتبه الشاطبي لهذه الأحوال، وليس له تجاهه موقف فصيح، غير أنه يمكن رد ذلك إلى أنه كان يكتفي بموقفه الفكري المميز الذي يردّ فيه كل أسباب الفساد الخلقي والاضطراب الاجتماعي إلى البعد عن النهج السويّ والسنة السمحاء، وإيثار البدعة وارتضائها، وهذا ميدانه الذي بقي فيه سيفه مصلتا وتحمل في سبيل غايته كل عنت ومشقة.
ولعل سائلا يسأل لم لم يترك الشاطبي غرناطة والأندلس إلى غيرها؟
ونقول: لو فعل؛ لكان كالمستجير من الرمضاء بالنار ففي تلك المرحلة العصيبة لم تكن أرض للمسلمين إلا وهي تنعي صحة الإسلام إلى أهله الغيورين، فبنو مرين في فاس تتراجع دولتهم بعد وفاة أبي الحسن المريني ٧٥٢ هـ، ومصر فيها الأحوال مضطربة في دولة المماليك البحرية ثم الجركسية وهم يواجهون خطر التتار من جهة