للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الباقين .. فعذر الماضين: أن الله أنزل هذه الآيات قبل أن تحرّم عليهم الخمر، وحجة على الباقين: لأن الله يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [سورة المائدة: ٩٠] .. ثم قرأ إلى آخر الآية. قال ابن عباس: فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا؛ فإن الله قد نهى أن يشرب الخمر. فقال عمر: صدقت.

وسر الغلط- كما يقولون- أن قدامة بن مظعون غفل عن موضع نزول الآية الأولى، وأنها كانت فيمن مات من الصحابة قبل نزول الآية في تحريم الخمر.

هكذا يقول الشاطبي في" الموافقات" في هذا الموضع، وسلمه له شارحه العالم الجليل الشيخ عبد الله دراز، وكذلك غيرهما من الكاتبين في علوم القرآن، قديما وحديثا.

غير أن الأستاذ الجليل الدكتور محمد سعاد جلال تعقبهم بأن" هذه المسألة ليست من قبيل الجهل بمعرفة السبب؛ لأن المراد بالسبب (الذي تنزل بعض الآيات جوابا عليه) إنما هو سبب محدد. أما هذه الواقعة؛ فلا يعدو الحال أن تكون الآية الأولى نزلت في تاريخ سابق عامة في جميع المؤمنين، وفي جميع أجزاء الزمان الذي كانوا فيه، بحيث لو لم تنزل الآية الثانية لما أمكن القول بأن الآية الأولى جاءت موضوعة على سبب خاص. وإنما هذه الواقعة ترد إلى قاعدة العام، وتخصيص العام. ذلك .. أن كلمة" فيما طعموا" تنحلّ إلى كلمتين:" ما" الموصولة، وهي تفيد العموم. و" طعموا" صلتها المفسّرة لمعناه. ومعنى" طعموا":

تناولوا. والمعنى الكلي للجملة: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح في أي شيء تناولوه، ولو كان هو الخمر، لمن كان متصفا بالإيمان والتقوى

<<  <   >  >>