للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسلام كما في النص المنقول آنفًا ثم عقب على ذلك قائلًا: (إن نشر تراث الحداثة على هذا النحو إنّما يجدد نيران الشهوة في تغيير العالم بردم الهوة بين النخبة وبقية الناس) (١).

وقد مرّ معنا في الفصل السابق كيف حاول أدونيس من خلال "تلمود الحداثة" كتاب "الثابت والمتحول" أن يرسخ مبدأ الإلحاد كأساس أولي لجحد الدين والتشكيك في الرسل والرسالات والتكذيب الصريح للوحي من خلال نقله نصوصًا لأشباهه السالفين الذين استخرجهم من قعر نجاسات التاريخ مثل ابن الراوندي والرازي الملحد وابن المقفع، ثم ليبني على هذه الأقوال مذهبه الإلحادي الذي يُعده ليكون أساسًا للحداثة العربية، ولا ينسى أن يربط مفاهم الإبداع والحداثة التي ينشدها بأوتار من رماد الإلحاد، وذلك حين يجعل مجيء الإسلام بداية للتخلف وذلك في سياق مقابلة اصطنعها على سبيل الادعاء بين التقدم والتخلف، جاعلًا من الإسلام وقضاياه وأدوات فهمه والتعبير عنه في قائمة التخلف وعكس ذلك في قائمة التقدم.

فقائمة التخلف عنده مستندة إلى نبوة النبي محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- وأميته وأمية العرب والفطرة العربية والمشافهة، ثم يسرد على هذه الدعوى الكاذبة أوصافًا يعدها أساسًا للتخلف ويريد بها الإسلام ورسالة النبي محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- القائمة حسب دعواه على: الخطابة والبداوة والأمية والفطرة والشفوية، والوضوح والإفهام والبيان والارتجال والتأثير والنفع والتحسين، ومطابقة الحق، والحق الثابت والواضح، والمضاهاة للسابق ومشابهته، وفصل اللفظ عن المعنى وجعل المعنى دينيًا أخلاقيًا، وفرض المعايير.

هذه عنده هي قائمة التخلف والرجعية، وأضدادها هي التقدم والتطور، وقد بدأ الصراع -حسب رأيه- بين الشفوية والكتابة والبداوة والحضارة والأمية والثقافة منذ أن بعث الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- (٢).


(١) الناقد - العدد ١٣ تموز ١٩٨٩ م: ص ٥٦ من مقال لغالي شكري بعنوان الحداثة بلا كهنوت.
(٢) انظر: الثابت والمتحول ٣ - صدمة الحداثة: ص ١٣٦ - ١٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>