لقد كان الباب الأول بفصوله الأربعة أساسًا لمعرفة عقائد القوم وتشخيص أصول أمراضهم الاعتقادية.
وكان البسط فيه مما يقتضيه المقام بالنسبة لأهمية قضية الإيمان باللَّه تعالى ربًا وإلهًا متصفًا بصفات الحسن والكمال؛ إذ الإيمان بهذا المبدأ العظيم هو أساس كل إيمان، والانحراف فيه هو أساس كل انحراف.
وأصل التمايز بين الإيمان والكفر والتوحيد والوثنية يكون منطلقه من هذه القضية الكبيرة الخطيرة.
وقد رأينا فداحة الجرم الحداثي فيما يتعلق بأهم وأعظم ركن من أركان الإيمان، رأينا كيف أنهم يجحدون وجود اللَّه -جلَّ وعلا-، أو يشككون في وجوده، وهذه قاعدة الإلحاد، ورأينا أنهم ينكرون ربوبيته وخلقه وملكه وتدبيره، ثم رأينا كيف جرهم ذلك إلى جحد ألوهيته وحق عبادته وطاعته، وبعد ذلك كان لابد من إعادة هذه الضلالات إلى أصولها التي أخذوا منها، فوجدنا أنهم انحدروا إلى حضيض الوثنيات والأساطير والجاهليات القديمة، يؤمنون بها، ويأخذونها مأخذ العبادة والتقديس والإجلال والتعظيم، بل ويرون فيها الأمل المرتجى للمستقبل، والبعث لحياة قادمة مزدهرة!!.
ثم انحدروا إلى ظلمات الأديان المحرفة من نصرانية ويهودية وزنادقة وملاحدة وباطنية.