للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتمثلة في الجبرية الاقتصادية التي يزعمون معها أنه لا اختيار للإنسان أمامها ولا فكاك له من تأثيرها عليه، وكذلك الحتمية التطورية التي يقول بها جميع الماديين وجميع المتأثرين بهم من حداثيين وعلمانيين، حيث يجعلون التطور والتحول والصيرورة قوة جبرية تخضع الإنسان وأعماله لسلطانها القاهر، وتؤثر في فكره ونفسه ومشاعره وعقيدته وفنه وسائر مناشطه.

وهم مع ذلك يقولون بأن مذهبهم يقوم على التحرر من كل مؤثر خارج الإنسان، ويزعمون أنهم يؤمنون بالإنسان على أساس أنه القوة الفاعلة في هذا الوجود، وبالإنسانية في صورها الرفيعة النبيلة!!.

ثم لا يردهم هذا التناقض الصريح وهذه المغالطة الواضحة من التشدق بادعاءات كبيرة، ومزاعم ضخمة، منها إجلال الإنسان والإنسانية، علمًا بأن إيمانهم بالإنسان لا يؤدي إلى تكريمه كما يظهر من هذه الدعوى، بل إيمانهم به قائم على أساس أنه "مادة" وهذه غاية الإهانة له، ثم هم يرمون من وراء ذلك إلى نفي وجود اللَّه الخالق المدبر، وهذه إهانة أخرى للإنسان وللإنسانية جمعاء، وهذا كله وغيره من الأباطيل يؤكد أن المذهب المادي والذي تخرجت الحداثة في مدرسته: عدو للإنسان والإنسانية.

خامسًا: نسبتهم الشر إلى اللَّه تعالى:

مرّ معنا في مطلع هذا الفصل أن الشر لا ينسب إلى اللَّه تعالى لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "والشر ليس إليك" (١) لكمال علمه ورحمته سبحانه وتعالى، وقد قال وفد الجن الذين أسلموا: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (١٠)} (٢)، فمن أدبهم مع اللَّه وحسن اعتقادهم لم ينسبوا الشر إليه -جلَّ وعلا-، بل نسبوا الخير إليه.

أمَّا الحداثيون فلشدة تهوكهم وطيشهم وكثرة ظلمات عقولهم وقلوبهم لم يتورعوا عن نسبة الشر إلى اللَّه تعالى، ولم يستحيوا من اللَّه تعالى،


(١) سبق تخريجه: ص ١٤٦١.
(٢) الآية ١٠ من سورة الجن.

<<  <  ج: ص:  >  >>