للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٤)} (١).

ثالثًا: نسبة الأبدية للمخلوق والقول بأزلية العالم والخلق:

هذا النوع من الإلحاد مترتب على ما مضى من جحد لوجود اللَّه ونفي كونه -تعالى- خالقًا مدبرًا ربأ لهذا الكون وما فيه، وهي مبنية على الاعتقاد الإلحاديّ القائل بأزلية المادة والمذهب الماديّ الذي يقرر بأنه لا وجود لأي جوهر غير المادة، فجميع الظواهر النفسية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية إنما يفسرها الوجود الماديّ، ويتضمن هذا المذهب أن العالم أبديّ (٢).

ومن جذور هذا النوع من الإلحاد أيضًا ما يسمى بالمذهب الطبيعيّ وهو تفسير تطور المجتمع بقوانين الطبيعة، مثل الأحوال المناخية والبيئية والجغرافية والاختلافات العضوية والجنسية بين الشعوب، وكل ذلك يقوم على مركزية الإنسان في الكون وأنه نتاج أعلى للطبيعة (٣)، وكل ذلك مبني على أزلية المادة التي منها الكون والعالم.

وهذه الادعاءات ومستلزماتها الفكرية والعملية الأخرى دعاوى أعطيت بهرجًا ونفخت فيها المهابة باسم العلم والتجربة، غير أنها لا تثبت على ميزان البحث العقليّ والعلميّ والتجريبيّ، وستنهار مع انهيار حجر زاوية هذه الفلسفة المادية وأعني به: "القول بأزلية المادة وكونها أساس الوجود".

وعقدة هذا القول أن أصحابه لا يؤمنون بشيء غير محسوس أو غائب عن الوعيّ البشريّ، ومن هنا بدأت هذه الخرافة في أدمغة الماديين، ولفك هذه العقدة يُمكن أن يقال لهم: ليس كل ما غاب عن الوعي الحسيّ أو الوعي البشريّ يعد معدومًا، فعدم العلم بالشيء لا يدل على العلم بعدمه،


(١) الآيتان ٤٣ - ٤٤ من سورة الفرقان.
(٢) انظر: ما سبق عن المذهب الماديّ ومدارسه وأشهر شخصياته ص ١٠٨ - ١١٠.
(٣) انظر: ما سبق عن المذهب الطبيعيّ في ص ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>