للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الثاني من أوجه انحرافاتهم في الرسل الكرام: البغض والاستهانة والسخرية بالرسل وأعمالهم وأقوالهم.]

أمّا البغض فيكفي في التدليل عليه ما ورد آنفًا من جحد وإنكار وتكذيب، وتلك عادة قديمة في أهل الباطل من الذين كانوا كما قال اللَّه تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥)} (١).

وقد مرّ معنا في فصل تأثرهم بالوثنيات، كيف احتفوا بالأساطير والأوثان، وكيف افتخروا بها وأشادوا بها وجعلوها ملهمة لإبداعهم وقبلة لأفكارهم ومشروعاتهم السياسية، مثلما فعل سعيد عقل وعصابة شعر، فهم مع الأوثان والخرافات والأساطير في إجلال وتعظيم وإعجاب وحب، وهم مع حقائق الإيمان في سخرية وتشكيك وجحد وتكذيب، وهذا من عمى البصائر -والعياذ باللَّه- وإلّا كيف يليق بإنسان -فضلًا عمن يدعي العقلانية والموضوعية والعلمية- أن يرتمي في أحضان الخرافات مؤمنًا بها مبجلًا لها مناضلًا عنها، ويبتعد عن الحقائق الكونية الكبرى التي تشهد لها البراهين العظيمة والأدلة الهائلة؟ إذا لم يكن هذا هو الانتكاس في العقول والمفاهيم فأين هو الانتكاس؟.

وقد عبر عن هذا البغض محمود درويق في سؤال وجواب ضمن مقطوعة طويلة:

(- لماذا تحارب

- من أجل يوم بلا أنبياء) (٢).

أمّا السخرية والاستهانة فإنها أسلوب قديم استخدمه أعداء الرسل والرسالات، ويستخدمه اليوم أرباب الحداثة والعلمنة، وقد ذكر إحسان


(١) الآية ٤٥ من سورة الزمر.
(٢) ديوان محمود درويش: ص ٥١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>