للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عباس هذا الأسلوب الحداثي وضرب أمثلة له وقال عنه: (السخرية أداة فعالة في التشكيك بالمسلمات) (١).

أمّا أسلافهم فقد ذكر القرآن العظيم إنهم في مضادتهم للحق والهدى وعجزهم من المحاجة يلجأون إلى أسلوب السخرية؛ لينفروا الناس عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وعن دعوتهم والخير والهدى الذي جاؤوا به.

ومن ذلك قولهم للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم -: {وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧) مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (٨)} (٢).

فهذه الوقاحة المقرونة بالسخرية بدأت بوصفهم للوحي بأنه ذكر أنزل من عند الحق، ثم أعقبوه بقولهم: إنك لمجنون؛ ليدل ذلك على أنهم مستهزئون بما قالوه أولًا، ومن ذلك قولهم: {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦)} (٣)، وقولهم فيما قصه اللَّه عنهم: {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤)} (٤).

وهذا دأب الذين من قبلهم: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢)} (٥).

وأعظم وصف وأدقه في حال هؤلاء المستهزئين من الأقدمين والمحدثين ما ذكره اللَّه العليم في قوله الكريم: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٢١٢)} (٦).


(١) اتجاهات الشعر العربي المعاصر: ص ١٥٨.
(٢) الآيات ٦ - ٨ من سورة الحجر.
(٣) الآية ٣٦ من سورة الصافات.
(٤) الآيتان ١٣، ١٤ من سورة الدخان.
(٥) الآية ٥٢ من سورة الذاريات.
(٦) الآية ٢١٢ من سورة البقرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>