قادتهم إلى اعتبار الإنسان مادة مجودة من الروح وآفاقها، وسلكته في سلك الحيوان.
أبطلت تميزه واختصاصه، وألغت تفرده، ونظمته في نظام الحيوانية الهابطة، فهو في نظرهم مخلوق ذو طبيعة واحدة تتحدد بحدود الجسد والغرائز، جسمه هو مصدر طاقته، وغرائزه هي الموجه له، وتصرفاته الغريزية هي عالمه الأوحد.
مصادرة كاملة لكل القيم العليا في الإنسان: قيم الحق والخير والجمال والحرية والإخاء والحب، وتحويلها إلى مجرد وسائل، أو حيل يحتال بها الإنسان لتحقيق مراداته الغرائزية.
٤ - بناء على هذه النظرة المادية الحيوانية للإنسان أقامت أوروبا سياستها واقتصادها وحياتها الاجتماعية والنفسية بمعزل عن القيم الروحية، وبمعزل عن الأخلاق، وبمعزل عن الدين كله جملة وتفصيلا.
وكانت النتيجة هذا الانفلات الرهيب في الأخلاق، والصراع المدمر العنيف، والشد والجذب في داخل النفس والمجتمع بصورة تتلف المشاعر وتمرض الأعصاب وتدمر النفوس وتسحق الإنسان، حتى وصلت حوادث الانتحار والجنون والأمراض النفسية والعصبية إلى درجة لا مثيل لها في تاريخ البشرية، لقد وصلت النظرة المادية للإنسان إلى أنحاء عديدة أصيلة من الحياة العامة، وأثرت في تصورات إنسان الغرب وسلوكه وسائر مناشطه، وظهر تأثيرها جليًا في مجال الأخلاق والسلوك، وكلها تعود إلى التصور الأعور للكيان الإنساني، التفسير الناقص قصير النظر محدود الرؤية الذي جعلوه أساسًا شاملًا لمنطلقاتهم الفكرية والعملية، إنه التفسير المادي الحيواني للإنسان، وبناء عليه تفرعت نظراتهم للإنسان وأعماله وأخلاقه، ومن أظهر ذلك:
أولًا: التفسير المادي الذي يقول: إن تاريخ الإنسان هو تاريخ البحث