يخرجوا عن ما كتبه الغربيون من يهود ونصارى عن التوراة والإنجيل، ذلك أنهم لما نظروا إلى ما في هذه الكتب من اختلاف وتناقض وما فيها من اختلاق منسوب إلى اللَّه وأنبيائه، اتضح لهم مناقضتها للواقع المادي المجرب، ووقوعها في محالات العقول، وكانت أوروبا قد قطعت شوطًا كبيرًا في الأخذ بالماديات والركون إلى الفلسفات الشكية واللاأدرية، والإلحادية، فنتج من ذلك أن اتجه مجموعة من فلاسفة الغرب لدراسة التوراة والإنجيل على ضوء هذه المذاهب والفلسفات، فأسسوا بذلك مدارس تهتم بنقد نصوص الوحي هاجراء الدراسات النقدية والتاريخية عليها.
وهنا سوف أذكر أشهر هؤلاء الذين أثروا بأفكارهم في عقائد أبناء المسلمين فأخذوا مناهجهم وترجموها وطبقوها على الوحي المعصوم المقطوع بصحته: على القرآن العظيم وصحيح السنة المشرفة، فضلوا بذلك ضلالًا بعيدًا، وأول دلائل ضلالهم أنهم لم يفرقوا بين الكتب السابقة التي دخلها التحريف والكذب، والكتاب الخاتم المهيمن الذي لم يدخله تحريف أو تبديل، وثاني دلائل ضلالهم أن في الكتب السابقة من محالات العقول ومناقضة حقائق التجربة -بسبب التحريف الذي دخلها- ما قد يبرر دراستها والتأكد من حقيقتها، أمّا القرآن العظيم فليس فيه ما تحيله العقول، وإن كان فيه ما تحار فيه العقول، وليس فيه ما يناقض حقائق العلوم التطبيقية، بل فيه ما يطابق هذه الحقائق مما أطلق عليه في هذا الزمان "الإعجاز العلمي في القرآن والسنة" وفيه من المطابقات والموافقات ما يلجم لسان كل شاك وملحد، ويزيد إيمان كل مسلم.
أمّا أشهر فلاسفة الغرب الذين تصدوا لدراسة ما يسمونه "ظاهرة الوحي" والذين هم أساتذة المحاكين لهم من أبناء المسلمين، فهم على أثارهم مقتدون، وأولهم وأشهرهم:
[١ - سبينوزا - باروخ أو بنديكيت ١٦٣٢ م - ١٦٧٧ م، ١٠٤١ - ١٠٨٨ هـ]
ولد لأسرة يهودية من يهود البرتغال، هرب والده إبراهيم وجده