هذه العقيدة الضالة فرع عن العقائد الإلحادية السابقة، وهي نفي وجود اللَّه تعالى، ونفي كونه سبحانه ربًا خالقًا، ونسبة الأبدية إلى المخلوقات.
وقد انطلق الحداثيون من اعتقاد عبثية الوجود إلى فوضى عارمة تدعو إلى التدمير والهدم والاغتراب والعدمية والثورة والرفض لكل شيء: الدين والإنسان والحياة، وهذه نتيجة طبيعية للاعتقاد الفاسد المبني على فصل الإنسان عن خالقه -جلَّ وعلا- وغمسه في المادية، وغرس مبادئ العداوة لكل شيء سوى الذات الواحدة الواجفة الجافلة من كل المبادئ والقيم والنظم.
ومن مفردات هذه العقيدة العبثية الفوضوية ما نقرؤه في كتابات الحداثيين من دعوة إلى تدمير بنية المجتمع، ورفض رسالة الأدب والفن، والحماسة لتفجير اللغة، وامتداح الاغتراب والعدمية والعبثية، والمناداة بالفردية، والأدب الجنسي والشذوذ، وجعل اللاوعي مركز الإبداع، ورفض العقل والمنطق والنظام والدعوة إلى الانحطاط والبهيمية، وإلى العزلة والهروب والهزيمة، وممارسة الغموض والرمزية الطلسمية، والنكوص نحو الأوثان والرموز الجاهلية وغير ذلك من ظواهر الشتات والتمزق والمعيشة الضنك التي اختار هؤلاء طريقها بابتعادهم عن الهدى والخير والفلاح.
ومن الطبيعيّ -نسبة إلى اعتقادهم عبثية الوجود والإنسان- أن يشعروا بالقلق بل من الضروري أن يشعروا بالضياع والحيرة والتمزق لعدم إيمانهم باللَّه تعالى، ومن الحتمي أن يعيشوا حياة التناقض والتشاكس لجحدهم الدين وفرارهم من الأخلاق، وهذا ما يظهر في حياتهم الشخصية من إغراق في الخمور والمخدرات والشذوذ الجنسيّ والزنا والدعارة، وفي نتاجهم الفكريّ والأدبيّ من عبثية وتناقض ويأس يشبه العقيدة النصرانية في الخطيئة، غير أن النصارى ابتدعوا لأنفسهم ما يسمونه الخلاص وهؤلاء يعتقدون أن الإنسان تمادى في الخطيئة وانغمس فيها إلى حد يستحيل معه الوصول إلى خلاص،