للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس هذا خاصًا بالمذهب الوجوديّ وأضرابه من المذاهب العدمية بل هو مثلًا في البنيوية في موت المؤلف (١) والكتابة ضد الكتابة (٢) وما تحويه من إيحاءات عبثية عدمية تقدس اللغة والنص على حساب هدم الإنسان، وما المنهج التفكيكيّ ببعيد عن مثل هذا الإيحاء، ولاسيما إذا علمنا أن "البنيوية" استفادت من الوجودية والماركسية وتأثرت بهما، ولكنها جاءت حسب قول أصحابها لتخرج على جمود الوجودية وانغلاق الماركسية، بيد أنها تحولت في الحقيقة إلى لون آخر من الانغلاق والتقوقع حول النص واللغة.

ولست هنا في صدد تعديد عبثية المذاهب الأدبية الغربية؛ لأن ذلك يطول، ويُمكن تلخيصه في أن الآلة الفكرية الغربية تدور حول عدة قضايا من أظهرها العبثية والانفراط {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (٣)، والحداثيون العرب غلفت قلوبهم وغفلت، واتبعوا أهواء أهل الإلحاد فكانوا مثلهم حياتهم في ضنك، وأمرهم في فرط الضياع والعبث، وحتى كتاباتهم التي يمجدونها ويقدسونها قصيرة العمر فاقدة القيمة؟ لأنها عبث في عبث، زعموا أنهم يحررونها من قيم الدين والخلق فوقعوا في رق العبثية، وانصهروا في حياة العدمية والضياع.

يقول أنسي الحاج: (. . . إن الكتابة عبث فلماذا لا تكون؛ فور ذاك، تمريغًا لعبث الوجود بعبثها ولمحدودية الخلق بلا محدودية جنونها وهدمها؟، لعل هدمها يثقب مخرجًا في جدار، وعبثها قد يفضي إلى إيجاد غايات للوجود. . .) (٤).

وهكذا يربط أنسي الحاج بين عقيدته الزاعمة أن الوجود عبث


(١) مبدأ بنيوي يقوم على إلغاء دور المؤلف فلا هو مبدع ولا عبقريّ وإنّما مجرد مستخدمٍ للغةٍ ورثها، وهذه اللغة "المادة ذاتها" هي التي تنطق وتتكلم وليس المؤلف أو صوته. انظر: دليل الناقد الأدبي: ص ١١٤.
(٢) مفهوم بنيوي، وهو مؤلف بهذا العنوان، لعبد اللَّه الغذامي.
(٣) الآية ٢٨ من سورة الكهف.
(٤) خواتم: ص ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>