للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي عموم الأمر بالعبادة نجد هذه الروابط الوثيقة بين الخلق والعبادة، ومن ذلك أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سأل أصحابه عن المفلس فقال: "أتدرون من المفلس؟ " قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: "المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار" (١).

وفي هذا دلالة قوية على أهمية أمر الخلق، وعظم منزلته، فالمتدين الذي يباشر بعض العبادات، ويبقى بعدها بادي الشر، كالح الوجه، قريب العدوان، كيف يحسب إنسانًا تقيًا (٢)؟ ولذلك عده رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مفلسًا.

وخلاصة القول: أن الأخلاق ذات مكانة عالية، ومنزلة مرموقة ودرجة سامقة في الإسلام، وهي متصلة بوشائج متداخلة مع عقيدة الإسلام وعباداته وأحكامه وتشريعاته وهي مطلوبة من المؤمن، مأمور بها، منهي عن ضدها، موعود عليها بالثواب الجزيل من اللَّه الكريم.

[وإذا انتقلنا إلى الجاهلية المعاصرة وموقفها من الأخلاق فإننا نجدها تخبطت في شأنها بشتى أنواع التخبط، ومن ذلك]

١ - أنها في جحدها لوجود اللَّه تعالى أو في جحدها لألوهيته وحقه في العبادة والطاعة قارفت أعظم الرذائل الخلقية، وجانبت أعظم الفضائل الخلقية وبيان ذلك في أن الإيمان باللَّه وعبادته أمر توجبه فضائل الأخلاق الفكرية، بل هو أسمى الفضائل وأبرز مظاهر الكمال الخلقي في الإنسان؛ ذلك لأن اعتناق الحق والاعتراف به والتزامه فضيلة خلقية لها مستند من العقل السليم والفطرة القويمة.


(١) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم ٣/ ١٩٩٧، والترمذي كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب: ما جاء في شأن الحساب والقصاص ٤/ ٦١٣.
(٢) انظر: خلق المسلم للغزالي: ص ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>