بحجة الترفع عن الانغماس في المباشرة، والالتزام، أو بغير ذلك من الحجج (١)، فإن الحديث عنهم هنا مما لا يعنينا إلّا من جهة أنهم يرون -حسب ملتهم الحداثية- أنهم البشر الأرقى والأعلم والأفضل، وهم في الحقيقة عكس ذلك تمامًا، بل العامة والأميون من المسلمين خير منهم، بل واحد من هؤلاء العامة خير في إيمانه وأخلاقه من جملة الحداثيين والعلمانيين، فبم يكون ترفعهم على المجتمع؟ أبالمحاكاة والتقليد للغربيين، أم بالهبوط والانحلال؟.
وغني عن الذكر ما في نتاج الحداثيين الماركسيين والوجوديين من مضامين معادية للمجتمع وفق رؤيتهم الماركسية أو الوجودية، التي سبق في مواضع من هذا البحث ذكر مضامينها، ومواقفها العدائية والتدميرية للمجتمع.
وفي شعر البياتي وسعدي يوسف ومحمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد، وفي نتاج أميل حبيبي وغالب هلسا، ورشيد بوجدرة، الأدلة الكثيرة على أثر الماركسية في اتباعها هؤلاء، وقل مثل ذلك عن أتباع الوجودية وخاصة مجلة "آداب" وأتباعها.
ثم قل مثل ذلك في اتباع المذاهب الحداثية الأخرى.
[الوجه الثاني: السعي في إفساد المجتمع]
من الأمور البديهية التي يكتشفها كل من يطلع على نتاج الحداثة الفكرية أو الأدبية أن السعي في الفساد على نحو مقصود مبرمج هادف من أهم مشروعاتهم وأعظم غاياتهم.
وقد ذكرت في الفصل السابق لهذا الفصل شواهد كثيرة على ذلك، من كلامهم واعترافاتهم، ودعواتهم الصريحة إلى الرذائل والمفسدات، بل وتفاخرهم بذلك، واعتبارهم من علامات التقدم والنهضة.
تهيجت شهواتهم فانقادوا لها هائمين، وتشعبت شبهاتهم فانساقوا معها
(١) انظر: بسط ذلك في الحداثة في الشعر العربي المعاصر بيانها ومظاهرها: ص ٢٢٣ - ٢٢٧.